تمنيات السعودية والحصاد المر

بقلم/الياس بجاني*

 

من المحزن أن حالنا في لبنان مع المملكة العربية السعودية منذ 30 سنة يلخصه القول المأثور: "من الحب ما قتل".

 

إنه وبالرغم من كل المساعدات المالية السخية، والدعم القوي على المستويين الإقليمي والدولي، وبالرغم من أنها (السعودية) تؤمن سوق عمل حيوي وفاعل للبنانيين، إلا أنها عند الشدائد وعندما تتدخل في شؤوننا فهي للأسف تفعل ذلك على خلفية "السعودية أولا"،  وليس "لبنان أولاً".

 

لو عدنا إلى المحطات المفصلية التي شهدها لبنان منذ 30 سنة لوجدنا بالإثباتات الملموسة والموثقة أن تدخلها لم يجلب على وطننا غير النكسات وخصوصاً على المسيحيين، وهذه وقائع وحقائق لا يمكن نكرانها ويعرفها جيداً كل المتتبعين لمجريات التطورات اللبنانية من رجال دين وسياسيين وقادة ومسؤولين ولو أن السواد الأعظم منهم يتعامى عنها على خلفيتي التقية والذمية.

 

بعودة علمية وتاريخية إلى تلك المحطات وبتجرد ودون محاباة وتزلف نرى أن التدخل السعودي في شؤوننا كان دائما لغير مصالحنا الوطنية والتعايشية لأن المملكة كانت ولا تزال تُغلب مصالحها هي على مصالحنا، وهذا بالطبع مبدأ تعمل على أساسه كل الدول حيث تأتي مصالحها أولا.

 

أما المشكلة الأساس في علاقتنا مع السعودية فهي تكمن في المطواعية العمياء لفريق كبير من القيادات اللبنانية المدنية والدينية ومن مختلف الطوائف لكل ما تمليه عليم المملكة دون اعتراض ولا حتى نقاش وهنا تكمن الكارثة وتستنسخ باستمرار النكسات.

 

البعض يقول إنها "بتمون" على الجميع، والبعض الآخر يؤكد أنها "تتمنى" فقط ولا تفرض على خلفية محبتها للبنان وخوفها عليه، فيما الكل مدرك أنها وعلى عكس إيران الملالي وسوريا البعث ليس لديها أطماع في وطن الأرز وهي لا تعمل من أجل تحقيق مخططات توسعية. كل هذا قد يكون صحيحاً ومحقاً ولكن ألا يدرك هؤلاء القادة ورجال الدين والسياسيين ورجال الأعمال والمسؤولين جميعا أن في تعاطيهم مع الدول الأخرى عدوة كانت، شقيقة أو صديقة عليهم أن يغلبوا مصلحة لبنانهم أولاً على باقي المصالح؟

 

بالعودة إلى بعض تلك المحطات "الإنتكاسية" ندرك خطورة قبول التدخل السعودي في شؤوننا دون اعتراض ودائما تحت مقولة "التمني" و"المونة" وليس إلا:

 

تمنت على الشيخ بشير الجميل الانتظار وعدم الاعتراف بإسرائيل حيث كان مقرراً دوليا ومحلياً فقُتِل وخسرت المقاومة المسيحية واللبنانية كل تضحياتها وبقي لبنان ساحة لحروب الآخرين بدولة مفككة ومسؤولين مرتزقة.

 

تمنت على الرئيس أمين الجميل عدم السير باتفاقية 17 أيار بعد أن وافق عليها المجلس النيابي اللبناني بأكثرية كبيرة فجاء حزب الله ومعه الاحتلال الإيراني ومشروع دولة ولاية الفقيه وبقيت الدويلات الفلسطينية وتم تهجير أعداد مخيفة من اللبنانيين ونُصِّبت في مواقع الحكم جماعات وأفراد هم مرتزقة لدولتي محور الشر، سوريا وإيران.

 

تمنت وفرضت اتفاقية الطائف بظل الاحتلال الأسدي فدفن الاتفاق قبل ولادته وخسر المسيحي وجوده في الدولة اللبنانية على كل المستويات وتغير وجه لبنان واهتز كيانه وتم التنكر لهوية شرائح أساسية من مكوناته وعمت الفوضى.

 

تمنت ونصحت باتفاق الدوحة فتكرس منطق الغزوات والدويلات وأكمل حزب الله الملالوي هيمنته على كل مفاصل الدولة وحكمت دويلته الدولة.

 

تمنت وعملت على معادلة ال س س فتحكمت سوريا أكثر باللبنانيين وبدولتهم وتغلغل النفوذ الإيراني السرطاني والميليشياوي في كل المناطق وداخل غالبية الشرائح اللبنانية.

 

تمنت مشاركة حزب الله في الحكومات اللبنانية على قاعدة "الدولة والشعب والمقاومة" رغم إرادة غالبية اللبنانيين في انتخابات 2005 و2009 فطارت الدولة وعُزّل وهمش الشعب وبقيت "مقاومة حزب الله الملالوية" التي هي مستمرة فقط في مقاومة وحرق وإلغاء كل ما هو لبناني من تعايش وحريات وديموقراطية وانفتاح وحضارة وحقوق.

 

تمنت زيارات الرئيس سعد الحريري للرئيس بشار الأسد فطار الحريري وأصبح خارج لبنان وسيطرت القمصان السود وعُزّلت 14 آذار عن الحكم.

 

وتطول قائمة "التمنيات والمونات" التي لم نحصد منها غير الكوارث لأنها كانت تخدم السعودية أولاً وليس لبنان أولاً رغم عدم شكنا بمحبة السعودية للبنان وعدم نكراننا لمساعداتها الجمة والكريمة.

 

تمنت السعودية اليوم الحوار ضاربة عرض الحائط بكل وعود وعهود وشعارات وثوابت تحالف 14 آذار، فانفرط عقد التحالف هذا ولم يصمد  في ساحة الرفض والدفاع عن لبنان والكرامات غير حزب القوات اللبنانية بشخص الدكتور سمير جعجع.

 

في الخلاصة إن الحوار "التمني" هذا سيدعم حكم القمصان السود، ويضعف الثقة ب 14 آذار، ويضاعف من فجور ووقاحة قادة حزب الله، ويبقي على كذبة "المقاومة والشعب والدولة"، ويقوي من نفوذ ومواقع مرتزقة الأسد. وهو بالتأكيد حوار طرشان بابلي لن يجلب لنا غير الكوارث والانتكاسات وسوف يعطي المزيد من الوقت والفرص لحزب السلاح الإيراني ليكمل هيمنته كل لبنان واقتلاع كل ما هو لبناني.

نعم، إن الدول، كل الدول في العالم ومنها السعودية تعمل دائماً من أجل مصالحها، فمتى يبدأ قادة لبنان العمل من أجل مصالح وطنهم ومواطنيهم؟

 

*معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

البريد الالكتروني Phoenicia@hotmail.com

الموقع الالكتروني http://www.10452lccc.com

تورنتو/كندا في 11 حزيران/2012