قمة روحية تعادي لبنان والثورة السورية

بقلم/الياس بجاني*

 

تحدثت الصحف اللبنانية عن استعدادات حثيثة ومتسارعة تقوم بها لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان لعقد قمة روحية لرؤساء الطوائف في بكركي بتاريخ 25 من آذار الجاري، ونقلت وكالة الأنباء المركزية عن المرجعيات المعنية بالتحضيرات أن أهداف هذه القمة تتلخص في الآتي:

تحديد اطر مواجهة تداعيات الحوادث في سوريا على الساحة الداخلية في لبنان لا سيما بعد اتخاذها منحىً طائفياً ومذهبياً وتحصين لبنان من انعكاساتها السلبية.

تأكيد تمسك رؤساء الطوائف الروحية بالصيغة اللبنانية الفريدة للعيش المشتركة والتي يتوجب على بلدان المنطقة اعتبارهاً نموذجاً يحتذى لحل الخلافات الداخلية.

اعتبار الحوار اساساً لإرساء الحلول للمشكلات العالقة أياً تكن والانطلاق من خلاله لبناء الدولة القوية.

تعزيز صيغة الديموقراطية التوافقية التي تشكل اساساً للصيغة اللبنانية وسداً منيعاً في مواجهة الخروقات.

 

بداية إن هذه الأهداف ملغمة بعبارات ومفردات وفخاخ لغوية تخدم مخططات نظام بشار الأسد وتفوح منها روائح مطابخ الاستخبارات السورية والملالوية الفارسية، وما منها هو كلام حق فيراد به باطل لأن حقيقة وخلفيات مواقف رؤساء الطوائف اللبنانية الكبرى (المارونية والسنية والشيعية والكاثوليكية والأرثوذكسية) من الثورة في سوريا ودويلة حزب الله الإرهابية لم تعد خافية على أحد، وبالتالي المطلوب منهم أن يخافوا الله ويتقوه ويتوقفوا عن تسوّيقهم لنظام قتلة الأطفال في سوريا الذي لم يترك وسيلة إجرام وهمجية إلا ومارسها ضد أبناء شعبه وهو الذي كان وعلى مدار 30 سنة مارس ضد شعبنا اللبناني نفس هذه الإرتكابات الوحشية.

 

ومع احترامنا الكلي للمرجعيات الدينية كافة ندعوهم بمحبة خالصة إلى التوقف عن استغباء الناس كون أقنعتهم قد سقطت فتعروا حتى من أوراق التوت وبات القاصي والداني يرى بوضوح جلي كم هم ساقطون في فخاخ مصالحهم الذاتية وغارقون في عبادة مقتنيات هذه الدنيا الفانية، كما أن الفرمان الأسدي الذي وصلهم على عجل لعقد هذه القمة بات أمره مكشوفاً حتى للعميان والسذج.

 

المعيب والمخزي في هذا الواقع البائس هو أن هؤلاء الرعاة قد تحولوا إلى ذئاب تفترس ناسها وتساند القتلة ضد ضحاياهم في حين أن مرجعية قرارهم من الثورة السورية ودويلة حزب الله هو إما ممسوك ومهيمن عليه كلياً من قبل ميليشيات وحكام دولتي محور الشر السوري الإيراني، أو أنه مصادر ومعطل بالترغيب والتخويف.

 

فالبطريرك بشارة الراعي يجول العالم مسوقاً لبشار الأسد ولنظامه بعد أن تنكر لثوابت بكركي ولتاريخ مشرّف وإيماني ووطني بامتياز ل 76 بطريركاُ مارونياً، كما تخلى بجحود عن دم الشهداء ووقف إلى جانب من قتلهم، وخطف الرهبان، وفجر الكنائس وهجر المسيحيين وهمشهم وأبعدهم عن مواقع الدولة، وسجن ونفى واغتال قادتهم، وزور تمثيلهم وحاول اقتلاع تاريخهم، وضرب هويتهم، وكسر عنفوانهم. هذا الراعي نبذته رعيته ولم يعد جديراً بأن يؤتمن على صرح بكركي الذي أعطي له مجد لبنان، ولا هو كما جميع بطاركة الموارنة ضمير للبنان واللبنانيين.

 

من جهته المفتي رشيد قباني أصبح غريباً بين أبناء مذهبه بعد أن اصطف بمواقفه وممارساته وخطابه إلى جانب النظام السوري وراح يستقبل سفيره الوقح في دار الإفتاء بعد كل مجزرة يرتكبها شبيحة الأسد بحق الأبرياء من أبناء الشعب السوري. مواقف قباني المستنكرة حدت بقادة سنة كبار لمطالبته بالاستقالة ولدعوة المؤمنين مقاطعته فيما يؤكدون علنية أنه أصبح غطاءً لإجرام ومجازر الأسد. النائب محمد كبارة دعا علنا لمقاطعة أي صلاة يؤمها المفتي بعد أن "تجاوز كل الحدود وتحدّى عواطف طائفته". النائب السابق مصطفى علوش طالبه بالتنحي فوراً، والنائب خالد الضاهر حرّم الصلاة وراءه، والنائب معين المرعبي اعتبر أنه "منتحل صفة ولا يجوز بعد اليوم السكوت عن تصرفاته"، وتطول قائمة الغاضبين والمستنكرين.

 

أما بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام فقد أكد الأسبوع الماضي من روما أن الجيش السوري "لا يتدخل الا عندما يجب أن يتدخل" وان الكنيسة لا تزال تستطيع أداء دور "احلال السلام". وقال "لا الجنود ولا الناشطين قديسين" إلا انه أسف للدور الذي تؤديه وسائل الاعلام الغربية التي تمارس في رأيه تضليلا إعلامياً.

 

في نفس السياق فإن المرجعيات الدينية الشيعية في لبنان هي متماهية كلياً مع حزب الله وملتزمة بسياساته وقراراته، في حين أن مواقف كافة رؤساء الكنائس في سوريا وتلك التابعة لها في لبنان هي مؤيدة لنظام الأسد كونها مرتهنة ومهددة ومصادراً قرارها منذ 42 سنة. جدير ذكره أن المرجعية الدينية الوحيدة في لبنان التي لم تؤيد أو تعارض حتى الآن النظام السوري هي مشيخة العقل الدرزية.

 

في خضم غرق هذه المرجعيات الدينية في قبضة المخابرات السورية والهيمنة الإيرانية، هل تعود لقمّتهم الروحية أية قيمة روحية أو مصداقية وطنية أو آمال ترجى منها؟ بالطبع لا، وكل ما سوف تنجزه هو تلميع صورة نظام الأسد المجرم كحامي للأقليات، وقبول من سيشارك بها مع سابق تصور وتصميم أن يلعب دور الغطاء للمجازر التي يتركبها هذا النظام ضد شعبه وبالتاكيد غض الطرف عن إرهابه المستمر ضد لبنان واللبنانيين إضافة إلى عزف انشودة العداء الرتيبة والمملة والكاذبة لإسرائيل، والتغني الأجوف بشعارات دجل المقاومة والممانعة والتحرير. يشار هنا إلى أن الممسكون بالقرار السوري واللبناني الرسمي أوكلوا للبطريرك بشارة الراعي التسويق لهذه القمة واستضافتها في بكركي.

 

في النهاية أنه زمن بائس كما يقول غبطة بطريركنا الدائم مار نصرالله بطرس صفير، وويل لأمة رجال دينها لا يعرفون الدين.

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 21 آذار/2011