شهادة دولة الرئيس العماد ميشال عون التي أدلى بها أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي  بتاريخ 18/9/2003

HOUSE SUBCOMMITTEE ON INTERNATIONAL RELATIONS

ترجمها للعربية عن النص الإنكليزي بتصرف

الأستاذ الياس بجاني

الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

السيدة رئيسة اللجنة والأعضاء الموقرين:

إنه لشرف عظيم لي أن انقل لكم صوت الشعب اللبناني، هذا الشعب الذي يتوق للحرية فيما هو يعاني من الاحتلال. أتيت اليوم لأنقل لكم عرفانه بالجميل لجهة المبادرة التي اتخذتموها من خلال إعدادكم قرار محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، وأيضاً لأحثكم على تمريره وتحويله إلى قانون. إن أمر هذه الوثيقة القانونية المستقبلية هو حاسم جداً كونه يؤسس ولأول مرة لسياسة أميركية تتعلق باحتلال سوريا للبنان.

على مدار سبعة وعشرين سنة استمر الاحتلال السوري بلعب دور مزدوج في لبنان هو دور مشعل الحرائق ودور الإطفائي في آن. فسوريا تضرم الحرائق ليصبح بإمكانها العمل على إطفائها، وبالتالي تبرر استمرارية احتلالها للبنان. واللبنانيون الذين يتجرأون على كشف أو مقاومة الهيمنة السورية تتم تصفيتهم ببساطة. لقد أصبح الاحتلال السوري للبنان ضار ومكلف للمصالح الأميركية واللبنانية من خلال خمسة مسارات رئيسية.

 

تأثير الاحتلال السوري على لبنان

أولاًً: لقد تحول لبنان بنتيجة الهيمنة السورية عليه إلى ملاذ آمن وأرض خصبة للإرهاب. في السبعينات والثمانينات كان لبنان أول ضحية للإرهاب السوري، وهذا الأمر كان السبب الأساسي  سنة 1978 الذي حذا بالولايات المتحدة إلى إدراج سوريا كأول دولة على قائمة الإرهاب التابعة لوزارة خارجيتها. في حينه لم يكن لا حزب الله ولا حماس قد وجدا بعد.

لا يمكننا بعقلانية ومنطق الفصل بين النظام السوري والإرهاب. فسوريا تؤمن الملاذ الآمن لعدد كبير من المنظمات الإرهابية، وهي توجه أعمالهم، وتستعمل لبنان كموقع أساسي لتدريبهم ولعملياتهم. وكالنقابات الإجرامية المنظمة التي تستعمل الرعب والتخويف والعنف كأدوات ضغط لشراء سكوت الناس المحترمين والجيدين، فالنظام السوري يستعمل منظمات الإرهاب هذه كأدوات ضغط في إستراتجية السياسة الخارجية التي أكسبت سوريا (ضمنت لها) عدم الاعتراض من قِبل العالم الحر فيما يخص احتلالها للبنان واضطهادها للشعب اللبناني.

ليس للمنظمات الإرهابية في مفهوم الهوية أي وجود مستقل، فهي وكيلة للأنظمة التي تؤمن لها سبل التمويل والأطر العملانية لأنشطتها الإرهابية. والاقتراح الذي يُسمع في بعض الدوائر حول تكليف هذه الأنظمة مهمة تجريد منظمات الإرهاب من سلاحها هو بالوقع قمة في السذاجة والحماقة.

علاوة على ذلك يجب أن لا ننسي أن الطبيعة السرية لهذه الأنظمة والمنظمات تسمح لها بسهولة وسرعة إعادة بناء هيكالياتها والبروز مجدداً تحت أسماء مستعارة وبجهوزية لاستئناف عملياتها بقدرات كاملة.

إن أي تعاون سوري بشكل ملموس في الحرب على الإرهاب والدخول معه في مواجهات قتالية لا يمثل خيارأ استراتيجياً للنظام السوري. أنه بالنسبة لهذا النظام مجرد تكتيك وذريعة مؤقتين للمراوغة على دوره المركزي لجهة تبنيه ورعايته للإرهاب طوال ثلاثة عقود من الزمن. يجب أن لا ننسي أن وكلاء سوريا في لبنان هم المسؤولين عن الهجمات ضد السفارة الأميركية (أولاً في موقع السفارة في رأس بيروت ومن ثم في عوكر، سنة 1983)  ومجمع القوات البحرية الأميركية في لبنان (محيط مطار بيروت في 23/10/1983 حيث قتل 241 أميركياً و58 فرنسياً في هجوم متزامن على القوات الأميركية والفرنسية في بيروت) التي أودت بحياة المئات من اللبنانيين والأميركيين.

 

ثانياً: لقد حول الاحتلال السوري لبنان، الأمة التي كانت تتمتع سابقاً بالديموقراطية والحرية إلى نظام دمية خاضع بإذلال لدكتاتورية (السورية).

 

إن الأنظمة الدكتاتورية التي تزرع في شعوبها الإحساس العارم بالعجز بهدف الحؤول دون إمكانية أي تغيير من خلال الديموقراطية أو السبل السلمية هي سبب الأصولية.

إن الحل الطويل الأمد الوحيد الناجع لانتشار الأصولية هو انتشار الحرية؛ أن الطريق الوحيد الناجع حقيقةً والسبيل الدائم لمنع انتشار الأصولية يكمن في عدم اختيار الديكتاتورية بديلاً للأصولية، بل في تأمين بديلاً ثالثاً هو الديموقراطية.

لقد تم خطف العملية الديموقراطية في لبنان. فقد فصلت القوانين الانتخابية باستمرار لضمان انتخاب دمى سوريا في لبنان. ولكن بالرغم من ذلك يبقى الشعب اللبناني مستعد بشكل حازم لاستئناف طريق معيشته الديموقراطية عندما تصبح الأجواء مؤاتية ويسحب النظام السوري قواته وأجهزته المخابرتية من لبنان.

 

ثالثاً: إن احتلال سوريا للبنان قد أدى إلى عدم الاستقرار وإعاقة عملية السلام. وأكثر ما يحير ويحبط الشعب اللبناني هو وجود مؤيدين للنظام السوري في مواقع السلطة في لبنان والولايات المتحدة. يؤكد هؤلاء أن سوريا هي عنصر استقرار في لبنان في حين يغضون الطرف ويتعامون عن أن لبنان حقيقة قد أصبح غير مستقر بنتيجة هيمنة سوريا عليه فقط. كما أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية هي اليوم فتيل مشتعل ممكن أن يفجر حرباً في المنطقة في أي وقت.

والسؤال لماذا تسود هذه الحالة ومن يتسبب بها؟

 

تقع الملامة هنا مباشرة على سوريا التي تمنع لبنان من تنفيذ القرار الدولي رقم 426 (آلية تنفيذ القرار 425 والتي تستوجب نشر جيشي البلدين، اللبناني والإسرائيلي على حدودهما المشتركة في الجنوب) ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل. سؤالي بسيط وهو، أين هذا الاستقرار العظيم الذي تؤمنه سوريا والذي يبشروننا به كثيراً ؟ وكم من مرة تدخلت الولايات المتحدة لتنفيس التوتر لتحول دون التصعيد بنتيجة الفوضى هذه التي تخلقها سوريا.

 

إن المدافعين عن النظام السوري هم من يقول بجدلية مفادها أن السلام السياسي والحوار بين الفئات اللبنانية هو أمر غير ممكن فيما بينهم دون دور الوسيط السوري المزعوم. مرة أخرى وحول هذه النقطة بالذات يجب الفصل بين الحقيقة والأسطورة السورية الدعائية.

 

 في 20 تموز سنة 1976 قال الرئيس السوري حافظ الأسد بوضوح تام انه يرسل قواته إلى لبنان لحماية وكلائه من الفلسطينيين والمجموعات الراديكالية الأخرى. ومنذ أن تدخل النظام السوري مباشرة في لبنان قام بتحريض اللبنانيين ضد بعضهم البعض على كل المستويات. في حين أن العديد من الشخصيات اللبنانية التي كشفت المخططات السورية الشريرة ورفضت الانصياع لها والتسويق للصراعات الداخلية تم اغتيالها.

اللبنانيون الوطنيون هؤلاء ضحوا بأنفسهم على مذبح السلام باختيارهم دوراً فاعلاً للوصل بين الاختلافات وحل المأزق في تناقض مباشر للمخططات السورية الشريرة. الضحايا اللبنانيين هؤلاء هم من كل فئات لبنان وقد كانوا تجرأوا على فتح قنوات حوارية صادقة معي خلال فترة ترأسي للحكومة اللبنانية الانتقالية. كما أنني شخصياً كنت هدفاً لثلاثة محاولات استهدفت اغتيالي وقد رعتها سوريا، وهي أوقعت إصابات عديدة وبعض الضحايا في صفوف الحرس الشخصي لأمني.

 

رابعاً: في ظل الاحتلال السوري تم بشكل منظم انتهاك حقوق الشعب اللبناني. إن السرد والتوصيف الشاملين للجرائم التي اقترفها النظام السوري في لبنان ومعه كل جرائم الذين استأجرهم لهذه الغاية يحتاج تدوينها للآلاف من الصفحات ولعشرات الجلسات. إن رئيسين من رؤساء لبنان من الذين يمكن وصفهم بدقة بالغير راغبين أخذ الأوامر من المهولين والمرهبين السوريين تم اغتيالهما مباشرة عقب انتخابهما.

 

سفراء، وصحافيين من النخبة، وسياسيين ورموز دينية ينتمون للطوائف كافة من الذين تجرأوا على معارضة سوريا قد تم خطفهم، تعذيبهم، سجنهم واغتيالهم. هذا بالإضافة إلى عشرات الألوف من الموطنين اللبنانيين الذين قتلوا جراء مجازر لا تعد ولا تحصى، وبنتيجة قصف مدفعي سوري عشوائي استهدف المدنين على مدار شهور وشهور، وبسبب كمائن وألغام وسيارات مفخخة.

إضافة إلى ذلك قًيِّدت حرية التعبير، في حين تم إسكات كل وسائل الإعلام التي انتقدت الوضع الراهن. أخيراً وليس آخراً تم تسييس القضاء واستعمل أداة للتخويف والمضايقات والظلم والكبت والاضطهاد.

 

 خامساً: تفشي رهيب وكبير للفساد أدى إلى التدمير الكارثي للاقتصاد اللبناني. حكومات لبنان الدمى السورية والوكلاء السوريين في لبنان اساءوا بإفراط استعمال نفوذهم. لقد أوقعوا البلد ودون أسباب موجبة تحت طائلة دين تفوق 200% من مجمل الإنتاج الوطني (GDP)، بينما في نفس الوقت جمعوا ثروات شخصية عملاقة على حساب ومصالح المواطنين اللبناني العاديين.

كل ما سبق ذكره من إيضاحات هو القليل النذير من المفاعيل السلبية للاحتلال السوري للبنان. نَعِمَ لبنان قبل الهيمنة السورية عليه بعيش رغيد وكان مثالاً للتعددية الدينية والسياسية ورمزاً للاعتدال والتسامح.

إن لبنان الحر من الاحتلال السوري والإرهاب سوف يبرز مرة أخرى بنظام سياسي ديموقراطي، وبسياسة اقتصادية هي حقاً رأسمالية وشفافة، وبجهاز قضائي حديث ومستقل يحترم ويفرض حكم القانون، وبنظام تعليمي ينمي ثقافة السلم في وسط منطقة ومحيط هما بحاجة ماسة لسلم حقيقي.

 

استعادة سيادة لبنان

استعادة السيادة اللبنانية ضرورة مطلقة وملحة لهزيمة الإرهاب. من أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي على الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، وبرعاية الولايات المتحدة التعاون عن قرب والتزام أمر تسخير كل الموارد لمصلحة هذا الهدف. إن غالبية اللبنانيين اليوم، ومن كل المجموعات والفئات يعيشون على حدس توقع استعادة سيادتهم وإرادتهم الحرة، فيما يتوقون لليوم الذي سيتمكنون فيه ثانية من ممارسة حرياتهم كافة دون خوف من الاعتقال والاضطهاد أو الموت.

 

نأمل أن يغتنم النظام السوري هذه الفرصة ليعمل بإيجابية ويسحب قواته من لبنان، فيما نحن نسعى لنبني مع الشعب السوري علاقات صادقة قوية وأخوية أساسها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الشعبين.

 

إنه لأمر معقول جداً أن يترك النظام السوري وراءه في لبنان بعد انسحابه منه العديد من أدواته للإرهاب والتدمير، وأيضاً العديد من أدواته العسكرية والمخابراتية. بناءً عليه إنه أمر إلزامي، أساسي وملح أن يترافق الانسحاب السوري مع تجريد كامل من السلاح لكل العناصر المسلحة. القوات المسلحة اللبنانية الشرعية بإمكانها فقط أن تُؤتمن على توفير الأمن للمواطنين اللبنانيين. وهي بالتأكيد قادرة على ذلك عندما تؤمن لها قيادة سياسية قوية منتخبة كما ينبغي من قبل اللبنانيين أنفسهم، وليست معينة من قوة الاحتلال كما هو الحال الآن .

وبأهمية متساوية سيحتاج لبنان إلى محاكم مرخصة للتحقيق مع كل الذين ارتكبوا انتهاكات وجرائم حرب ضد الإنسانية ومن ثم سوقهم للعدالة.

 

سيحتاج لبنان بالتأكيد إلى معونة اقتصادية مهمة. لقد تعرض الشعب اللبناني لخسائر كارثية والاقتصاد اللبناني مدمر بنتيجة أسباب تعود في معظمها لفساد حكومات لبنانية هي دمى سورية تم تنصيبها بالقوة منذ أوائل 1990.

حتى يومنا هذا وأكثر من أي بلد آخر يتحمل لبنان الأعباء الجسام، كما النتائج جراء استمرار الصراع العربي الإسرائيلي. إن القضية اللبنانية هي قضية متكاملة بحد ذاتها، وبالتالي لا يجب أن تربط بأي حل لأي أزمة أو صراع إقليمي أو دولي. لبنان، بمفرده، هو شأن شرعي وضاغط قياساً بكل معايير القانون الدولي.

 

هذا البلد الصغير، لبنان لا ينتج بترول أو مواد خام

على أية حال فلبنان بلد غني بما يفوق الوصف. لبنان غني بثقافته وحضارته، بشعبه وجماله، بتاريخه وقلبه. ولكن الأهم، لبنان غني بناموس وعُرف الديموقراطية والحرية.

 

لم يصبح جلياً لقوى الغرب أن تخليص لبنان هو أمر متصل بالأمن العالمي، إلا في تاريخ حديث فقط، ولذلك جاء وجودي اليوم أمام لجنتكم الموقرة. إلا أن تخليص لبنان هو أمر أكثر من أمني، إنه التزام أخلاقي. يجب أن يُخلَّص لبنان لأن خلاصه حق. إنه أمة تحترم وتقدر المبادئ الأميركية والقيم الإنسانية التي كلنا نؤمن بها.

يبقى أن تخليص لبنان هو تثبيت إيماني لما أعلنه الرئيس بوش في خطابه بتاريخ 11 سبتمبر 2002: "سوف نستعمل موقعنا كقوة لا نظير لها، كما تأثيرنا من أجل بناء أجواء لنظام عالمي، وانفتاح، بحيث التقدم والحريات ممكن أن تزدهر في بلدان كثيرة. إن عالم مسالم تنمو فيه الحريات يخدم مصالح أميركا على المدى البعيد ويعكس ثبات المُثل الأميركية العليا ويوحد حلفاء أميركا".

 

حضرة رئيسة اللجنة،

إن طبيعة شعب لبنان الحقة هي حُبه للحرية وعاطفته تجاه أميركا. وطبيعة الشعب الأميركي الحقة هي دعم ومساندة أولئك الذين يتوقون للحرية.

 

إن لبنان المُسيطر عليه من قبل دكتاتورية سورية ترعى الإرهاب هو لبنان متعارض مع طبيعة شعبه، ولا يخدم مصالحهم. وبالنظر إلى الأمر من جانب آخر نرى أن ديموقرطية (لبنان قبل الاحتلال السوري) قد تحولت إلى دولة تابعة (تدور في فلك النظام السوري) قمعية تتعارض مع طبيعة الأميركيين ومصالحهم.

لقد فقدنا تقريباً كل شي. لقد فقدنا إخوتنا وأخواتنا، أصدقاءنا وجنودنا، حريتنا وأمننا، وبيوتنا ومالنا. إلا أننا عاقدون العزم ومصممون على متابعة حربنا من أجل قضيتنا لأننا لم ولن نفقد الأمل من أن حلفاءنا الطبيعيين في العالم الحر سوف يرون بنهاية المطاف حربنا على حقيقتها، حرب من أجل الحريات وضد الإرهاب والقمع والقهر.

 

أقف أمامكم اليوم لأحثكم أن تكونوا صادقين لطبيعة أميركا بمد العون لأولئك الذين يتوقون للحرية وتوجيه ضربة للإرهاب بتصويتكم على قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان.

انتهت الشهادة.