ذكرى استشهاد البشير الـ 25 عبرة لمن يعتبر

بقلم/الياس بجاني

 

توهم أعداء لبنان والحضارة والإنسانية والقيم أنهم بقتل الشيخ بشير الجميل يقتلون حلمه وإيمانه والقضية اللبنانية وعنفوان اللبنانيين، إلا أن آمالهم خابت وكل ما تمكنوا من تحقيقه جراء فعلهم الإجرامي هو قتل جسد هذا القائد الكبير فقط: "لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يقدرون أن يقتلوا النفس. بل خافوا الذي يقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنم".(متى 10-28)

 

اليوم وبعد مرور 25 سنة على تغييب جسده الطاهر، ها هو الحلم والقضية والعنفوان ومعهم الإيمان المبني على الرجاء أقوى وأشمل وأكثر ترسخاً ووضوحاً في نفوس وعقول وضمائر وممارسات الأكثرية الساحقة من أبناء كل الشرائح اللبنانية، وما تبنيهم علنية وبشجاعة شعارات "لبنان أولا"، والـ "10452 كلم"، "نحن شياطين هذا الشرق وملائكته" إلا شهادة صارخةً على انتصار البشير الحلم والقضية وانكسار من قتلوا جسده.

 

إن ما قيل عن بشير المشروع والقائد والإلتزام والوطنية والرؤية والإقدام والفروسية خلال الحلقة التلفزيونية التي قدمها الإعلامي مرسال غانم يوم الأربعاء المنصرم عبر تلفزيون الـ. بي. سي تثبت بما لا يقبل الشك أن "البشير حي في وجدان اللبنانيين وهم لم ولن ينسوه، "وأن العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت للأبد" (رسالة يوحنا الأولى2-17). نأمل أن تكون الجرأة في تذكر البشير بعد 25 سنة بادرة خير لانطلاقة شجاعة نحو التحرر الحقيقي والسيادة الكاملة، وللخروج من غياب الذمية ومفهوم الساحة المفتوحة لحروب الآخرين.

 

لقد آمن البشير بلبنان السيد الحر والمستقل وجاهد من أجل نصرة الحق والعدل والمساواة بقوة وعزيمة وإلتزام رافضاً الذل والذمية والدونية، وقدم نفسه قرباناً على مذبحه. "فأن نموت في الجهاد أليق بنا من أن نحيا في السقطة والذل. هذا العالم ميدان جهاد وقد أوجب علينا الرب ألا يقف جهادنا حتى النهاية" (مار اسحاق السرياني).

 

البشير كان حبة الحنطة التي زرعت في أرض لبنان وباستشهاده أصبحت حبات.

 

البشير لم يساوم على القضية ولا على كرامة المواطن اللبناني، وهو لم "يساير" ولا هو داهن أو تملق وذلك عملاً بقول القديس بولس الرسول (غلاطية 1-10): "فلو كنت إلى اليوم أتوخى رضا الناس لما كنت عبداً للمسيح".

 

من هنا نقول للقيادات الطروادية التي تسعى للنفوذ والمال على حساب الوطن وإنسانه، إن لا شيء يدوم في هذه الدنيا الفانية، والإنسان فيها زائر وعابر سبيل ليس إلا. أما زاده لدنيا الآخرة ويوم الحساب فينحصر بأعماله وشهادته للحق ومواقفه بمواجهة الشر والأشرار. والويل ثم الويل لمن يعمل ضد الشرائع التي تُعلمنا أن الله سبحانه تعالى خلق الإنسان على صورته ومثاله. إن من يؤذي أخيه الإنسان ويتآمر على لقمة عيشه وكرامته وحريته وموطنه فإنما يؤذي خالقه، وحسابه يوم الدينونة حيث البكاء وصريف الأسنان، يكون عسيراً.

 

أما الذين كانوا مع البشير ومن ثم تركوا القضية وتخلوا عن وطنهم وعن حقوق إنسانه طمعاً بكرسي، نذكرهم بما جاء في رسالة القديس يوحنا الأولى2-19: " خرجوا من عندنا ولم يكونوا منا، لو كانوا منَّا لبقُوا معنا. ولكن لا بد أن يتضح أنهم ليسوا كلهم منا".

 

اليوم ونحن نتذكر استشهاد البشير نستلهم من نضاله العزيمة والإيمان والثبات، ونلفت من ضعفت ذاكرتهم، وقل إيمانهم، وخاب رجائهم وأعمت بصائرهم الأطماع الذاتية وكراسي الحكم، إلى أن مَن لا يَحمِلْ منهم صَليبَ لبنان والشوك ويتحسس عذابات شعبه المقهور، ويتنسك في محراب قضيته والهوية، فهو لَيسَ أَهْلاً لتبؤ سُدَّة القيادة على أي مستوى كان.

 

إن الإنسان هو موقف والذي لا موقف له يفقد عطاءات الله له، وقد جاء في سفر الرؤية 3-15 و16: "إني عليمُ بأعمالك وأعلم أنك لستَ بارداً ولا حاراً، وليتك كنت بارداً أو حاراً! سأتقيأُك من فمي لأنك فاتر، لا حار ولا بارد". إن مواقف الحياد هي موت وجبن وذل وهرب من تحمل المسؤوليات.

 

البشير لم يخف الموت ولا أرتعب منه، ولا هو أدخله في حسابات نضاله والجهاد لإيمانه الأكيد" أننا إذا هُدم بيتنا الأرضي وهو أشبه بالخيمة، فلنا في السموات بيتٌ من بناء الله لم تُشده الأيدي" (رسالة القديس بولس إلى أهل كورنتوس)

 

إن اللبناني العاقل المتنور بالحكمة والمنطق، وصاحب الضمير والثوابت الوطنية والأخلاقية يجب أن يرفض السير الغنمي وراء أوهام وأطماع وغرائز زعامات وقيادات ومرجعيات نرجسية تفتقد إلى كل مقومات الأحاسيس البشرية، وهي لا وجود في قاموسها للحريات والحقوق والديموقراطية واحترام الرأي الآخر. اللبناني المؤمن بقضية وطنه ومواطنيه والحقوق، وليس بهالة قيادات وزعامات عليه أن يزدري بامتياز كل منطق قطعان المواشي وممارسات الحكام المسوخ، ويحتقر كل حربائية ودجل الطبقة السياسية الكوارثية التي بليَّ لبنان بموبقاتها وكفرها والهرطقات.

 

مما يؤسف له أننا لم نعد نسمع لا من الحكام والموالاة والمعارضة سوى الكلام العكاظي الذي يلقى على عواهنه، في سجالات إعلامية مسرحية مملة ورتيبة، والناس مجوا جولات الشتائم العقيمة التي لا نهاية لها، فيما حدود البلد بجنوبه وبقاعه وشماله مشرعة للأغراب وشذاذ الأفاق، والدويلات والمربعات الأمنية تزداد قوة ونفوذاً على حساب سلطة الدولة، والعصبيات الفئوية تحتدم، والفساد يستشري، وعجز الخزينة ومعه عبء الدين العام يزداد ملايين ومليارات، والانقسامات السياسية تستفحل، ومعضلة البطالة تتفاقم، والأزمة المعيشية تتصاعد، وحركة الهجرة نزيف مستمر وقد بينت الدراسات والتقارير الأخيرة أن ما يقارب الربع مليون لبناني قد رحلوا عن وطن الأرز خلال وبعد حرب الـ 34 يوماً العبثية التي أشعل نيرانها السنة الماضية جيش إيران وسوريا في لبنان، حزب الله الأصولي.

 

في ذكرى استشهاد البشير المطلوب من السياسيين والقادة والأحزاب الذين جرفتهم الأمواج وأبعدتهم الرياح عن الشطآن، المطلوب منهم صحوة ضمير صادقة، ومراجعة ذات ثاقبة، واعتراف بتعثر خيارات خاطئة، واقتناع بضرورة تعديل مسارات منحرفة، ولجم النزوات والغرائز قبل فوات الأوان!!!

 

يبقى أن حسابهم إن لم يتعظوا ويرتدعوا، ورغم استعمالهم الرخيص لكل أساليب الترهيب والترغيب، والخداع سيكون عسيراً عندما تأتي الساعة، وهي لا محالة آتية وعلاماتها والتباشير لاحت هنا وهناك وهنالك.

 

أن الضباب انقشع، والهالات زالت، والأقنعة سقطت، والَّذي كنا نَقولُه همساً وبخجل حفاظاً على كرامات ومقامات وتاريخ وعطاءات، ننادي بِه اليوم من على السُّطوح. هكذا علمنا بشير الذي قال "جئت لأشهد للحق" وهذا ما بشرنا به السيد المسيح بقوله: "من يشهد للحق، الحق يخلصه".

 

الواجب الوطني والأخلاقي والقيمي يُلزم كل لبناني تسمية الأشياء بأسمائها والشهادة للحق وبالحق، ونختم بالقول النبوي الشريف: "من رأى منكم اعوجاجاً فليقومه بيده. فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

 

كندا في 14 أيلول 2007

 

عنوان الكاتب البريدي phoenicia@hotmail.com