ذكرى البشير: قادة أقزام ومسؤوليات جسام

بقلم/الياس بجاني

 

أثبتت الطبقة الحاكمة في لبنان، ومن ورائها الطغمة السياسية بكل تلاوينها الحزبية والمجتمعية، الإقطاعية والدينية، العلمانية والأصولية، وأيضاً المقاومتية والشعوبية، أنها عاجزة عن التصدي لتحديات المرحلة الاستقلالية الراهنة التي تلت انسحاب الجيش السوري المحتل وخروجه المذل من لبنان على وقع أقدام شباب ثورة الأرز.

 

طبقة أثبتت أنها عاجزة بالكامل فكراً وعلماً، منطقاً وتنظيما،ً وإيماناً ونوايا، وكان جلياً هذا العجز الفاضح والناطح قبل وخلال وبعد الحرب العبثية التي شنها حزب الله الأصولي على إسرائيل وتسببت بما تسببت من كوارث وضحايا وخسائر وسقوط أقنعة.

 

والسؤال لماذا كل هذه الكوارث الرهيبة، ولماذا كل هذا الانحدار المشين، ولماذا كل هذا التخلي عن الحق والتجابن في الشهادة له؟

أليس لأن الذهنية الإقطاعية والدكتاتورية مهيمنة على العقول والنفوس، ولأن الكثير من الناس توالي وتعارض على خلفية الجهل والتبعية الغنمية؟

 

إن اللبناني العاقل المتنور بالحكمة والمنطق، وصاحب الضمير والثوابت الوطنية والأخلاقية يجب أن يرفض السير الغنمي وراء أوهام وأطماع وغرائز زعامات وقيادات ومرجعيات نرجسية تفتقد إلى كل مقومات الأحاسيس البشرية، وهي لا وجود في قاموسها للحريات والحقوق والديموقراطية واحترام الرأي الآخر.

اللبناني المؤمن بقضية وطنه ومواطنيه والحقوق، وليس بهالة قيادات وزعامات عليه أن يزدري بامتياز كل منطق قطعان المواشي وممارسات الحكام المسوخ، ويحتقر كل حربائية ودجل الطبقة السياسية الكوارثية التي بليَّ لبنان بموبقاتها وكفرها والهرطقات.

 

إن المتتبع لمجريات الأمور والراصد لمواقف وأفعال الممسكين بقرار البلد حكاماً ومعارضة وفي شتى المواقع لا بد وانه مدرك تردِّي الأحوال على كل الصعد ومتلمس شعور الأحرار من شعبنا الرافضين طبقة سياسية نتنة، وطغمة حاكمة منبثقة منها، وهم بأسى يتحسرون على ضياع فرص استعادة الدولة القادرة والعادلة التي طالما منوا النفس بها.

 

فالناس لا تسمع من الحكام والموالاة والمعارضة سوى الكلام العكاظي يلقى على عواهنه، في سجالات إعلامية مسرحية مملة ورتيبة، وهم مجوا جولات الشتائم العقيمة التي لا نهاية لها، فيما حدود البلد بجنوبه وبقاعه وشماله مشرعة للأغراب وشذاذ الأفاق، والدويلات والمربعات الأمنية تزداد قوة ونفوذاً على حساب سلطة الدولة، والعصبيات الفئوية تحتدم، والفساد يستشري، وعجز الخزينة ومعه عبء الدين العام يزداد ملايين ومليارات، والانقسامات السياسية تستفحل، ومعضلة البطالة تتفاقم، والأزمة المعيشية تتصاعد، وحركة الهجرة نزيف مستمر وقد بينت الدراسات والتقارير الأخيرة أن ما يقارب الربع مليون لبناني قد رحلوا عن وطن الأرز خلال وبعد حرب الـ 34 يوماً العبثية.

 

أما أخطر ما نتج عن هذا الواقع المذري فهو كفر الأشراف والأحرار بالحكام والسياسيين، معارضة وموالاة على حد سواء، إضافة إلى حال إحباط مأساوي وانحداري عام حيث لم يعد يتبين المواطن أية بارقة أمل أمامه بمخرج وشيك من الأزمة المستحكمة.

 

إن ما يحز في النفس ويزعج ليس تحجر عقول وعفونة ضمائر كتبة وفريسيين وعشارين ومهرطقين من أهل السياسة الأتباع والحواشي وأصحاب الشعارات العروبية الوهم، والمقاومة الدونكشتية، والماركسية الساقطة، والأصولية المجرمة، ومعهم ربع المعالف والسفارات.

فهؤلاء والشهادة لله، تاريخهم مخزي ومعروف، في حين أن حاضرهم والمستقبل لن يكونا بحال أفضل، فمن شب على شيء شاب عليه.

 

بل إن ما يحزن، ويؤلم ويحبط بالفعل، فهو الجنوح الفجائي المبهم والغير مبرر لقادة سياديين وثق الناس بهم، رأوا فيهم صورة المخلص، صدقوا طروحاتهم والشعارات، ضحوا في سبيل رفعتهم بكل ما يملكون. سُجنوا من أجلهم واضطهدوا، أفقروا وهجروا، وفبركت لهم الملفات القضائية.

 

قادة ساندهم الناس الأحرار ونظيفي الكف طوال سنين حقبة العذاب والغربة على خلفية أنهم شرفاء، أتقياء، أحرار ضمير وأصحاب قناعات راسخة، ومنزهين مترفعين عن المصالح الشخصية والمنافع. فإذا بهؤلاء وبعد أن وضعهم الناس في صدارة المسؤولية وسلموهم صكوك التوكيل ينقلبون فجأة على أطروحاتهم والوعود وينكصون بما أبرموا من عهود.

 

بين ليلة وضحاها انتقلوا من قاطع إلى آخر، وظهروا بوجوه وأشكل لم يألفها فيهم الناس.

 

المطلوب من هؤلاء الذين جرفتهم الأمواج وأبعدتهم الرياح عن الشطآن، المطلوب صحوة ضمير صادقة، مراجعة ذات ثاقبة، اعتراف بتعثر خيارات خاطئة، اقتناع بضرورة تعديل مسارات منحرفة، سرعة وقف غزوات ملجمية، ولجم لنزوات وغرائز قبل فوات الأوان!!!

 

يبقى أن حسابهم إن لم يتعظوا ويرتدوا، ورغم استعمالهم الرخيص كل أساليب الترهيب والترغيب، والانخداع والخداع سيكون عسيراً عندما تأتي الساعة، وهي لا محالة آتية وعلاماتها والتباشير لاحت هنا وهناك وهنالك.

 

أن الضباب سينقشع، والهالة ستزول، ستسقط الأقنعة، والَّذي نَقولُه اليوم همساً وبخجل حفاظاً على كرامات ومقامات وتاريخ وعطاءات، سينادي بِه الناس ونحن معهم من على السُّطوح، وعندها يكون البكاء وصريف الأسنان.

 

اليوم ونحن نتذكر استشهاد الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل ونستلهم من نضاله العزيمة والإيمان والثبات، نلفت من ضعفت ذاكرتهم، قل لإيمانهم، خاب رجائهم وأعمت بصائرهم الأطماع الذاتية، نقول إن مَن لا يَحمِلْ منهم صَليبَ لبنان والشوك، ويتحسس عذابات شعبه المقهور، ويتنسك في محراب قضيته والهوية، فهو لَيسَ أَهْلاً لتبؤ سُدَّة القيادة، و"يلي بيشلح تيابو بيبرد" ومن هو فاتر ومتقلب في مواقفه والممارسات سيبصقه الناس لا محالة!!

 

كندا في 14 أيلول 2006

 

**الياس بجاني/الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

عنوان الكاتب البريدي phoenicia@hotmail.com