فعل إيمان، ذِكرى، عِّبر وتذْكِّير!!!

بقلم/الياس بجاني

 

في الذكرى الأولى لأفول حقبة الاحتلال السوري الغاشم وتحرير تراب وطن الأرز من رجس ودناءة الأدوات والصنوج، لا بد من إجراء مراجعة دقيقة ومجردة لمفاعيل التطورات المتناقضة والمتسارعة التي ضربت الساحة اللبنانية والساحات الاغترابية منذ 26 نيسان 2005، تاريخ خروج جيش الاحتلال السوري الجار والجائر على  لبنان.

منذ ذاك والأجواء السياسية متوترة بين الشرائح كافة، والاصطفاف المذهبي والأصولي على أشده، والتحالفات هجينة.

 

أما السياسيون والحكام فهم يتناحرون على مصالح ومنافع ومواقع شخصية رخيصة. إنهم منشغلون بمماحكات صبيانية وسجالات ساخنة، ويلهون الناس بعداوات إفترائية وممارسات انفعالية معطوفةً على مواقف هوائية متلونة!!

 

لذلك بات من الضروري تفحص تأثيرات التطورات هذه بتلاوينها السلبية والايجابية ومدى عرقلتها مسار استعادة مقومات الكيان المستقل من عودة مشرفة للمهجرين والمهاجرين، إلى صيانة وتحصين وتحسين مؤسسات ونظام وعدل وقانون وحريات وحقوق.

 

كما يتوجب علينا أيضًا إلقاء نظرة موضوعية وحيادية على حال جالياتنا الاغترابية وما تتخبط به من ارتدادات انتكاسية وتشنجات على خلفية الوضع المتوتر الهجين المستجد في وطنهم الأم وعناوينه هي سجالات معيبة وشد حبال بهلاوني بين جماعات وقيادات، وزعامات ومذاهب، وحكام ومسؤولين كلها تُغضب، تحيّر وتربك كما أنها تحرج وتحبط العزائم والهمم.

إن حال الاغتراب هو في حيرة وذهول وتخبط بسبب ما يصل إلى جالياته من أخبار يومية مخجلة عن ممارسات سياسيي وحكام الوطن.

 

أخبار لا تسر ولا تفرح حتى بات هذا المغترب لا يعرف من هو الحليف والصديق هناك، ومن هو المنافس والعدو!!

نخر الشك والريب حلّ، فيما يكاد ينقطع التواصل حتى بين الناشطين الاغترابيين الذين ناضلوا موحدين طوال ثلاثين عاماً بتعاضد وتكاتف مواجهين المسوِّقين للاحتلال السوري من أذناب ومأجورين.

 

فهؤلاء تصدوا بقوة عنيدة ووحدة متماسكة لهجمات وغزوات أبواق وأدوات المحتل السوري في سائر بلاد الانتشار.

وحيد همهم كان مركزاً على رفع القهر عن أهلهم في الوطن الأم، إيقاف حملات الاعتقال والاضطهاد التي تطاولهم، ووضع حد لمؤامرات تهجيرهم والإفقار. 

طوال سنوات الاحتلال العجاف عمل المغتربون السياديون ضمن أطر الوحدة والتعاون، فكانوا بكل فخر للقضية اللبنانية الحقة ضميرها الحي، ولشعبهم المقهور والمكبوت الصوت الصارخ والمدوي.

 

حملوا مشاعل ورايات التحرير والحقوق بإيمان ورسوخ.

عاشوا المعاناة ونقلوا الآم شعبهم والأماني إلى شتى المحافل والمواقع الدولية عموماً، ولتلك الموجودة في بلدان انتشارهم تحديداً. 

كم كان لمجهودهم ونضالهم السلمي والعلمي والتضحيات، الأثر الكبير في تبني العالم الحر قضية تحرير لبنان ووضعها في سلم أولويات السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والعربية.

 

هذا وقد أثمرت جهودهم ثماراً وقطافاً وفيرين في انجاز قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة واستقلال لبنان، ومن ثم في إصدار مجلس الأمن القرار الدولي رقم 1559. 

ومن المؤسف حقاً بعد أن تحقق حلم التحرير أن يُصْدَّم المغترب بنمطٍ معيبٍ في ممارسات ولغة معظم السياسيين والمسؤولين اللبنانيين تتميز بصبيانية فاقعة، وبهلاونية مخيفة، ومواقف متنقلة، وحربائية ظاهرة في التعاطي مع الشؤون العامة ومصالح المواطنين والوطن.

 

وقد لامس هذا النمط المرذول في معظم أوجهه حدود الجحود، والانقباض، والقحم، والانقضاض القاتل على الثوابت كافة. إضافة إلى ما يرافقه من كفر بحقوق ومتاجرة بأرزاق وأعناق واستهتار كلي بمصير الناس ومستقبل الأجيال.

 

لم نعد ندري كمغتربين من مع من، ومن ضد من في الوطن الأم، وقد اختلط الحابل بالنابل!!

إنه تشابك اصطفافي غريب عجيب أوصل جميع القيمين على شؤون وشجون الوطن إلى حالة من الإفلاس والانكساف.

يا أيها السادة الكرام، ربع الحاكم وجماعات السياسة والأحزاب والرعاة، لا تتوهموا في يوم من الأيام أنه بمستطاعكم إستغباء اللبنانيين المقيمين أو المنتشرين بتذاكيكم المفضوح وتقيتكم المبطنة والذمية.

 

توقفوا عن إهانة نبوغ مؤيديكم على الأقل، واثبتوا على مواقف علنية واضحة دون دجل وتخاذل.

 

فمن خلال مواقفكم يتحدد قرب الناس وبعدهم عنكم، كما أن تأييدهم أو معارضتهم لكم لا يعتمدان على أساس انتماءات حزبية وعقائدية ومذهبية ومناطقية، بل على تبنيكم الشجاع للملفات والقضايا والشؤون والثوابت التالية التي لا تقبل التأجيل والتدجيل:

 

*القرار 1559: لا تضيعوا الفرصة المتوفرة لتحرير وطنكم دولياً وإقليمياً.

 

لا تعاندوا وتماحكوا وتلعبوا على الكلام فيما يخص تنفيذ هذا القرار.

إنه الوسيلة الوحيدة القادرة على جمع أشلاء الدولة وفرض سيادتها بواسطة قواها الذاتية وحصر كل السلاح بها فقط.

 

*أهلنا اللاجئين في إسرائيل: لا تخجلوا من التبني العلني لقضية أهلنا هؤلاء.

إنهم أبطال وأشراف دفعوا الفدية ودافعوا عن أرضهم وعيالهم والهوية من دون التخلي لحظة واحدة عن أصالة لبنانيتهم وعراقتها.

المطلوب منكم أن تسوقوا لمشروع قانون عفو عام يشملهم جميعاً ويُسهِّل عودتهم بكرامة تليق بعطاءاتهم والتضحيات.

 

*المعتقلين في السجون السورية: ساندوا بقوة ملف شبابنا المعتقلين في السجون السورية وارفعوه إلى الأمم المتحدة وارحموا المقهورين  حتى تستحقوا الرحمات.

 

*القانون الانتخابي النيابي: تعاونوا على إصدار قانون انتخاب نيابي عادل يعطي كل الشرائح التي يتكون منها المجتمع اللبناني حقها في إيصال من يمثلها إلى مجلس النواب.

 

* حقوق الاغتراب: التفتوا إلى الاغتراب بجدية وارفعوا عن أفراده الظلم وأعيدوا حقوق المواطنية لهم وفي مقدمها حقي الترشيح والاقتراع.

 

*الحقوق والشرائع: سوقوا لشرعة حقوق الإنسان وللحريات والديموقراطة.

*الهوية اللبنانية والانتماء: فاخروا بالهوية اللبنانية وتوقفوا عن التسويق لغيرها من الهويات المستوردة.

 

*ملف التجنيس: أعيدوا الجنسية لمن هم محرومون منها ظلماً وانزعوها من الذين أعطيت لهم دون وجه حق واستحقاق في زمن الاحتلال النيروني المجرم.

 

*التاريخ اللبناني: درِّسوا تاريخ لبنان الصحيح والقويم الموثق وعمموا ثقافة احترام وقبول الآخر. اقفلوا مدارس الأصولية والتعصب والرفضية وحاكموا القيمين عليها.

 

*المربعات والمحميات الأمنية: حددوا مواقفكم منها بشكل علني وشجاع، واعلموا أن لا قيام للدولة الحرة والسيدة قبل بسط سلطة الدولة الكاملة على كل المربعات والمحميات الأمنية ونزع سلاحها.

 

* الجاليات الاغترابية والأحزاب: لقيادات الأحزاب اللبنانية كافة نقول بصوت عال، اتركوا الجاليات الاغترابية بحالها لتنخرط مع محيطها وتتعايش معه بفاعلية وقناعة. لا تنقلوا عللكم وعصبياتكم ومشاحناتكم ونزعات الانطواء والعزلة إلى أوساطها. إن الجاليات الاغترابية المتفاعلة مع محيطها والناشطة في أوساطها بندِّية وتساوى مع غيرها من مكونات مجتمعاتها هي سند قوي للبنان ولقضايا شعبه، في حين أن انعزالها يختزلها ويبعدها عن محيطها، ويؤدي بالتالي لنبذها وتهميشها فتصبح عالة وعبء على وطنها وشعبها والشمائل والقيم.

 

يبقى إن لا فقر اشد من الجهل، ولا عدو أشرس من نزعات الهيمنة، ومن له أذنان للسمع فليسمع

2 أيار 2006