قادة مسيحييون مسوخ ورؤى نرجسية

بقلم/الياس بجاني

 

نحسد الطائفة السنية اللبنانية على نوعية قادتها الواضحة الأهداف وسبل البلوغ والتحقيق والرؤيا لغايات مرسومة بدقة، وتحديداً السيد السنيورة.

كنا دائما نتمنى لو أن أحد قادتنا المسيحيين هو من عيار وليد جنبلاط وطينته في مهارة التقلب والتقليب للحفاظ على أبسط حقوقنا.

 

ليتهم فعلوا كما فعل هذا الرجل، رغم كل الظروف والصعاب للحفاظ على حقوق ومواقع ونفوذ طائفته.

 

أما القادة الشيعة فهم اليوم ممثلين دون منازع بشخصي السيدين بري ونصرا لله اللذين يمسكان زمام البلد ويفرضان على الجميع ما يرونه متناغماً ومتوافقاً مع ما يريدونه لجماعتهم ومرجعياتهم في لبنان وإيران.

 

وتبقى الكارثة في القيادات عندنا نحن المسيحيين عموماً والموارنة تحديداً حيث لا بوصلة، لا رؤيا، لا مشروع، لا طرح، ولا وعي لمسير ومسار، وبالتالي لا أهداف مجتمعية عندهم أو وطنية غير التي تخص أطماعهم والأتباع، ثم لا ثوابت لديهم تحمي ناسهم من الغدر والهزات. يتلهون بنزاعات ومناكفات وضدية ولحس مبارد، ويحاربون داخل تجمعاتهم بشراسة صاحب كل فكر نير وضمير حي ورجل قادر.

 

حالهم تائه في الضياع والتخبط في الشخصنة وهم غارقون من دون استثناء إلى قمم رؤوسهم بغباء رهيب وذمية ناطحة وتقية باطحة وأنانية تلامس سقوف النرجسية.

علت أصوات البعض منهم محذرة مما سمته الرابطة المارونية في بيانها أمس "انتهاك سافر لمقتضيات الوفاق الوطني الذي بات حسب قراءتها يثير في الأوساط المسيحية عموماً تساؤلات الاستغراب عن دوافع التمادي في الانتهاك السائد لاحترام التوازن في التعيينات الجارية منذ فترة في إدارات الدولة العامة من مدنية وأمنية".

 

في الوقت عينه أتحفنا عدد لا يستهان به من زعمائنا المسيحيين والقادة "الغضنفرين" الرسبوتينيين بطلاَّت بهية من على شاشات التلفزة مهددين متوعدين رادعين ونادبين حالنا وهم يلوحون بأيدهم شمالاً ويميناً متخفين في عباءة نفس منطق الدجل واللغة الخشبية بكل التعابير الجوفاء والمفردات  الفارغة.

ألم يحن الوقت بعد ليخجل هؤلاء السادة من نفوسهم فيصارحون المسيحيين ولو مرة واحدة بأن الحاصل في مؤسسات الدولة كافة التي لا يتخطى عدد المسيحيين فيها الـ 17% هو نتيجة طبيعية وكانت متوقعة ومحسوبة لهرطقة "طائفهم المجرم" ومسؤوليات الجهلاء الذين قبلوا به صاغرين مستسلمين؟؟

يتعامى هؤلاء الحربائيون عن أنهم هم من وافق على "اتفاق الطائف" الذي ألغى طائفية الوظائف العامة، وأبقاها فقط لموظفي الدرجة الأولى، أي من مدير عام وما فوق؟ فلماذا الآن البكاء على الأطلال والنحيب التمساحي على  ضحاياه؟

 

هم قتلوها وتركوها للتنين بعد أن "قبضوا ثمنها" البخس الرخيص!!!

إن ما يجري من حشو مذهبي في إدارات ومؤسسات الدولة من قبل جماعة المستقبل هو والحق يقال ليس استئثاراً فئوياً طائفياً طبقاً للطائف، ولا هو إمعاناً بسياسة المحاصصة والمحسوبية، ولا هو عدم مراعاة للتوازن، كما أنه ليس خرقاً فاضحاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني اللذين ينصّان على اعتماد مبدأ المناصفة في التعيينات للفئة الأولى وما فوق. إنه الطائف لا أكثر ولا أقل.

 

لقد ضُربت في الطائف كل مقتضيات العيش المشترك، فكرس صلاحيات لا تتناسب مع المقامات كما وصفها الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرة، وأنهى كلياً حقوق الأقليات وتحديداً المسيحيين منهم وسقطت معه "امتيازات ضمانة" كانت حامية لوجود المسيحيين من خوف حصل.

 

لقد فُرض الطائف على لبنان من خلال نواب وسياسيين ومرجعيات دموعهم اليوم وبكاؤهم وعويلهم والندب الزجلي هو ليس ندماً على ما اقترفوه، بل هو فقط للمتاجرة والكذب وبيع الناس وعود وعهود لم ولن يلتزموا بها.

 

الرئيس السنيورة دافع باحتراف عن غزوته التوظيفية للإدارات من بكركي بتاريخ 17/6/2006- "سئل: تحدث احد بيانات مجلس المطارنة عن استئثار فئة معينة بالسلطة؟ أجاب: "لقد تطرقنا مع سيدنا البطريرك إلى هذا الموضوع وشرحت له حرصي على أن نكون متمسكين تمسكاً كاملاً بما ينص عليه اتفاق الطائف، وقبل الاستعجال بأخذ المواقف والاستنتاجات فالحقائق هي أفضل برهان وبالتالي غير صحيح على الإطلاق أن هناك استئثار من فئة على أخرى".

 

نعم فقد قال السنيورة المحترف وبكل لياقة وتهذيب ما يخاف القادة المسيحيون الهواة كافة قوله لمجتمعاتهم.

قال لهم راجعوا الطائف فنحن متمسكون به تمسكاً كاملاً، "وأقفلوا على الباقي".

 

قالها بالفم الملآن للذين مهروا ذلك الاتفاق النفاق بتواقيعهم، وأيضاً للذين رفضوه فيما مضى وعادوا اليوم ليتباهوا وخلافاً للذاكرة والتاريخ بتبنيه ونكران مواقفهم والتضحيات!!

إن أي مطالبة مسيحية بالعيش المشترك والتوازن الحقيقي وحتى تكون صادقة وهادفة يجب أن تكون مطالبة صريحة واضحة وعلنية بعودة الطائفية لكل الوظائف، وبإعادة توزيع الصلاحيات وما يناسب المقامات، وإلا فالحال لا محالة سيستمر بمنحاه الانحداري ومن من سيء إلى أسوأ حتى الإفلاس والقضاء علينا.

يا أيها القادة المسوخ المسيحييون في الحكم والمعارضة على حد سواء كفى ببغائية، كفى تكاذب وكفى مناداة بعلمانية وهمية لن ترى النور، بل ستؤدي إلى هجرة من لم تهجروهم بعد من المسيحيين.

 

إن إلغاء الطائفية الوظيفية في مجتمع طائفي كالمجتمع اللبناني هو بالحقيقة تهميش كامل للأقليات وضرب لحرياتهم والحقوق، والحاصل اليوم خير برهان على هذا الواقع المؤلم.

يجب إعادة النظر باتفاق الطائف وتصحيح الغبن اللاحق بالشرائح والفئات.

 

دعاء إلى قديسي لبنان شربل ورفقة والحرديني من أجل خلاص قيادات وزعماء أقزام وظهور قادة مسيحيين يقودون ولا يبيعون، يخافون ربهم والضمير، وليس فقدان كراسيهم والنفوذ، يحترمون وعودهم والعهود، يقدسون الحريات، وتكون قبلتهم مصالح ومصير وهوية وكرامة مجتمعاتهم والطمأنينة إلى حفظ الوديعة وإرجاع الخسران، وليس أطماعهم الشخصية ومجاعتهم للسلطة والحسابات البنكية.

 

إن مسيحيي لبنان يستحقون نوعية من القيادات والزعماء العملاقة تكون أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

كفى النكوبة بالجهل، والمكر والاستكبار.

عسى الله القدير، يسمع ويجيب.

وللموضوع تتمة مع من وعدناهم بمكاشفة ومصارحة وجدانية!!!

 

21 حزيران 2006