الهالات الساقطة ومعاناة أهلنا في إسرائيل!!

بقلم/ الياس بجاني

 

سقطت كل الهالات المستوردة والوهمية والمصطنعة، وتعرَّت معها مختلف الشعارات "الوطنجية" "والمقوماتية" الكاذبة، في حين جرفت مكانس ثورة الأرز هرطقات واستنباطات وأدران شيطانية سرطانية خبيثة، ودجل ميليشيات "إلاهية" ادعت المقاومة، وانتهاكات مربعات أمنية أصولية، كان فرضها كلها على اللبنانيين بقوة الحديد والنار المحتل السوري خلال حقبة استعماره البغيضة لوطن الرسالة والحرف، لبنان.

 

نعم لقد انقشع ضباب الخوف والإرهاب وتحررت ألسن ورقاب وأيدي كانت مكبلة بالأصفاد. لقد عادت شمس الحق والحقيقة تنير سماء لبنان وعقول وضمائر ووجدان اللبنانيين. وها هو شعبنا المؤمن بحق الحياة الحرة والكريمة، ورغم كل التضحيات والضغوط يجاهر بالحقيقة ويشهد للحق معلناً على رؤوس الأشهاد أن زمن تجارة المقاومة والتحرير، وشعارات وحدة المسار والمصير، وشعب واحد في بلدين، وجهاد وقداسة والخ، قد ولى إلى غير رجعة، وهو رذل شر رذلة كل رموز تلك الحقبة من المأجورين والمرتزقة والأصوليين والديموغوجيين ولم تعد كل خطاباتهم وتهديداتهم وفحيحهم ونعيقهم والوعود تعنيه بشيء.

 

لقد سقطت هالة السيد حسن نصر الله سقوطاً مبيناً، ونحر الرجل حزبه نحراً إلاهياً في حرب تموز العبثية الأخيرة التي أشعل نيرانها تنفيذاً لفرمانات سورية- إيرانية، في حين كان النظام السوري خلال تلك الحرب تحديداً يتفاوض مع الإسرائيليين، أما السلعة التي عرضها للمقايضة ولا يزال وبشكل علني، فهي رقبة حزب نصر الله الإلهي.

 

لقد أعادت ثورة الأرز السيد نصرالله إلى حجمه الطبيعي وأمسى عملياً مجرد زعيم سياسي مذهبي يعمل من أجل مشروع أيراني متكامل ليس بخافي على أحد، وقد بان للبنانيين والعالم أجمع على حقيقته، كما تظهرت بجلاء كلي مرامي مشروعه المستورد والذي عماده "ولاية الفقيه". نعم لقد انكشفت أهدافه وغاياته وأطماعه التي لا علاقة لها بلبنان وكيانه وأهله لا من قريب ولا بعيد.

 

أما الهالة الأخرى التي عرتها ثورة الأرز حتى من ورقة التوت فهي هالة جنرال الرابية التي مُسحت واحترقت وتبخرت وأمست سرابا ليس إلا. إن الجنرال الديموغوجي، غير السوي وطنياً وأخلاقياً بخياراته المستحدثة، وصاحب الرؤية السياسية الأنانية المشوشة قد رفس نعمة التأييد المسيحي الكاسح بكفر وغضاضة. هذا الرجل وبنتيجة هوسه بكرسي بعبدا المخلع لم يترك طرح من طروحاته ولا شعار من شعاراته ولا ثابتة من الثوابت الوجدانية المسيحية إلا وانقلب عليها بوقاحة الأبالسة، مسجلاً بذلك سابقة مخيفة ومعيبة في تاريخ الزعامات المسيحية اللبنانية المعاصرة.

 

لقد تخلى الجنرال عن حق أهلنا اللاجئين في إسرائيل، وأنكر وجود معتقلينا في السجون السورية، وشرعن سلاح حزب الله، واختار دويلة نصر الله بدلاً من الدولة اللبنانية وشرعيتها. ترى هل سيغفر له أهلنا في إسرائيل تحديداً خطيئة تخليه عنهم وهم الذين قدموا الغالي والنفيس حفاظاً على أرضهم وهويتهم والكرامات؟

 

السؤال هنا ألم يكن أجدر بالجنرال أن يطالب بعودة أهله من إسرائيل بدلاً من أن يطالب بالإفراج عن الضباط الأربعة المتهمين بجريمة مقتل الرئيس الحريري؟ علماً أن المئات من شباب وناشطي التيار الوطني الحر كانوا ذاقوا أبشع أشكال الإهانات والتنكيل والملاحقات  الظالمة على أيدي هؤلاء الضباط، وفي مقدمهم اللواء نديم لطيف؟

 

نسأل الجميع في لبنان لماذا هذا الصمت المطبق والمخجل والتعمية المنظمة على قضية أهلنا اللاجئين في إسرائيل؟ أيجهل قادة لبنان كافة أن أهلهم الذين فروا إلى إسرائيل سنة ألفين هم أبطال وليسوا خونة وعملاء؟ ألا يدركون تماماً أن ناسهم الضحايا هؤلاء هم من الطوائف كافة، وقد صمدوا في أرضهم لسنين مدافعين بشراسة وإباء عن ممتلكاتهم وهويتهم والكرامات في وجه غزوات الأصوليين والتحريريين والعروبيين والمارقين، في حين كانت الدولة غائبة ومغيبة عن منطقتهم ومتخلية بالكامل عن واجباتها نحوهم؟ إلا يعلمون أن أهلهم الشرفاء هؤلاء إستُعْمِّلوا أكباش فداء بين القوى المتصارعة على أرضهم، من محلية وإقليمية ودولية، وأنهم فروا خوفاً من بَقْر بطونهم في مخادعهم كما كان بشرّهم السيد نصرالله؟

 

لا والله ليس هم من يجب محاكمتهم وسجنهم ولو ليوم واحد، بل كل مسؤول وسياسي وزعيم ومرجع تخلى عنهم وعن قضيتهم المحقة، وتعامى عن تضحياتهم والمعاناة، ونخص هنا تحديداً جنرال الرابية الذي راح مؤخراً وتملقاً لحزب الله يحاول تشويه سمعة جيش لبنان الجنوبي والجنوبيين عبر جريدة الأخبار التي يعرف القاصي والداني أن حزب الله قد وضعها مع طاقم صحافييها والتمويل بتصرفه بعد توقيعه ورقة التفاهم معه.

 

ليعلم كل من يتعاطى الشأنين السياسي والعام في لبنان ودون استثناء، والمسيحيون منهم بالتحديد، أنه لن تُدون في سجلاتهم التمثيلية لمواطنيهم ومناطقهم أية مصداقية طالما هم لا يشهدون للحق. حق أهل الجنوب الأبطال بالعودة الحرة من غربتهم القسرية بقانون عفو خاص وعام، وهم معززون مكرمون مرفوعو الرأس دون محاكمات وإذلال وانتهاك لحقوقهم.

 

إن أي محاكمة لأي جنوبي من أهلنا اللاجئين إلى إسرائيل يوم يعود إلى لبنان ستكون محاكمة مذلة لكل زعماء ولوردات الميليشيات السابقين واللاحقين، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، وخصوصاً أولئك الذين كان العديد من أفراد وقيادة جيش لبنان الجنوبي من محازيبهم وإتباعهم وأفراد ميليشياتهم.

 

يتبجحون بقلبهم صفحات كتاب الحرب، فيما الجميع ممتنعون إما بسبب أصوليتهم وتعصبهم والحقد، أو الذمية والتقية والتخاذل لا فرق، عن إعادة الآلاف من أهلهم وناسهم من إسرائيل. نعم هم ممتنعون عن تبني وإقرار قانون عفو خاص بأهل الجنوب، على غرار قانون العفو لسنة 1991 وما تبعه من قوانين مشابهة.

 

يا أهل السياسة في وطن الأرز يكفي الجنوبيين غربة في إسرائيل ولا عذر لأحد منكم بالسكوت ولا مبررات. المطلوب وفوراً إيجاد حل عادل ومشرّف لقضيتهم.

يبقى أن اللبناني الحر والسيادي لن يغفر لأي مرجع ديني، مسؤول أو سياسي يغض الطرف عن قضايا محقة وعادلة كقضية أهل الجنوب، كما أنه لن يسامح من يُضيّع فرصة خلاص الوطن المتاحة حالياً من قبل المجتمعَين الدولي والإقليمي من خلال التقيد بالقرارات الدولية كافة.

 

كندا في 18 نيسان 2007

عنوان الكاتب البريدي phoenicia@hotmail.com