سلاح مقدس، تكاليف شرعية وفتاوى احترازية!!

بقلم/الياس بجاني

 

نقل يوم الاثنين في 16 كانون الثاني/2006 رئيس المجلس الوطني للإعلام في لبنان الأستاذ عبد الهادي محفوظ عن السيّد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله قوله خلال استقباله وفد المجلس: "انّ سلاح المقاومة بالنسبة إلينا هو قدس الأقداس، إنّه بمثابة العِرض ونحن شرقيّون، لا أحتمل أبداً أن يدقّ أحدٌ بعِرضي وسلاح المقاومة هو عِرضنا".

 

لهذا التصريح الواضح والصريح معاني ومحتوى برسم مواقف فورية وحاسمة من الفئات والشرائح في لبنان كافة، وأيضاً من كل حكومات الدول العربية. فهل فعلاً هم يشاركون السيد مفهومه لهذا السلاح؟ وهل هذا المفهوم "التقديسي" الأحادي الصادم يترك أي هامش للنقاش والحوار حول سلاح أمسى رباني ومرتبط بالعرض؟

 

من هنا يتبين للقاصي والداني أن حزب الله يعرف تماماً ماذا يريد وهو لا يترك مناسبة أو فرصة إلا ويعلن من خلالها عن مواقفه الثابتة بعناد متحدياً الجميع في الداخل اللبناني ورافضاً في الوقت عينه كل بنود القرار الدولي 1559 (الإسرائيلي الأميركي) بمفهومه. وهو كان خاض الانتخابات النيابية الأخيرة متحصناً بقانون غازي كنعان ومتسلحاً بالتكاليف الشرعية واضعاً الناخبين بين خيارين: إما مع العدو الإسرائيلي والقرار 1559 أو معه ومع سلاحه التحريري!! 

 

اللافت هنا أن قيادة حزب الله بعكس العديد من القيادات والمرجعيات اللبنانية، تؤكد يوماً بعد يوم قولاً وفعلاً ومن خلال المواقف والارتباطات إصرارها على الاحتفاظ بالسلاح والامتيازات معاً مهما اشتدت الضغوطات الداخلية والخارجية وها هو السيد يحيط هذا السلاح بهالة القداسة فيربطه "بالعرض" ويجعله من المحرمات. 

 

إن وضوح وصراحة وجرأة كلام السيد يضع الجميع أمام التحدي الكبير ويلزمهم تحديد مواقفهم دون مواربة أو لعب على الألفاظ،  فإما هم مع بقاء سلاح حزب الله طبقاً لمفهوم السيد له ومع الوضع الميداني والعملاني المفروض بواسطته في الجنوب والضاحية وغيرهما من المناطق، وإما هم ضده وبالتالي مع الدولة ومع ما يفرضه قيامها وبسط سلطتها والتقيد بدستورها من واجبات ومسؤوليات واحترام للشرعة الدولية.

 

بالواقع يستحق السيد حسن التقدير فهو بمواقفه الواضحة والجريئة قد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم وحدد لهم الخيارات، وبالتالي بات لزاماً عليهم إفهام الناس، وعلناً، ماذا يريدون وأين يقفون، أهم مع السيد ومع مفهومه لقداسة سلاحه، أم ضده ومع مفهوم الدولة.

 

إن السيد حسن قد حذف، مشكورا، المواقف الرمادية من المداولة، وفرض على الكل ضرورة تحديد مواقفهم.

من هنا فإن عودة وزراء أمل والحزب إلى الحكومة الحالية يجب أن تقترن بموقف حكومي لا لبس فيه من قداسة سلاح حزب الله "والعرض"، كما أن مشاركة الحزب ومعه حركة أمل في أية حكومة أخرى يجب أن تتحدد على نفس القاعدة.

 

يشار هنا إلى أن رئيس هيئة علماء جبل عامل الشيخ عفيف النابلسي وعقب احتجاب وزراء أمل والحزب كان أعلن ما يلي: "أن هناك محاولات خارجية تستجيب لها بعض القوى المحلية باستبعاد أمل وحزب الله، والإتيان بممثلين جدد عن الشيعة. لذا، فإننا نحرِّم من موقعنا الشرعي، على أي طرف سياسي شيعي أن يدخل بديلاً ورديفاً عن ممثلي أمل وحزب الله. وأن أي دخول من أية جهة سياسية شيعية هو دخول غير شرعي، لأنه لا يمثل الواقع الشعبي، ولا يحوز الإيجاز الشرعي المطلوب وإننا نوجه فتوى احترازية إلى كل سياسي شيعي، يحاول الاستفادة والدخول على خط الأزمة الحكومية الحاصلة، أن لا يوقع نفسه بالتزام وميثاق مع الآخرين وهو لا يحتل الموقع الشعبي ولا يملك المسوِّغ الشرعي لمثل هذا العمل".

إن الفتوى الاحترازية هذه تعزز من مواقف السيد حسن ومن موقعه، وهي في نفس الوقت تحتم على الآخرين تحديد مواقفهم.

 

السؤال لماذا يحاول الثنائي الشيعي، أمل وحزب الله، وضع الطائفة الشيعية الكريمة في مواجهة الجميع، وهل في هذا المنحى مصلحة لها وللبنان الكيان والدستور والتعايش ولشرائحه كافة؟

 

هنا كيف يمكن للدولة اللبنانية أن تمارس صلاحياتها وتكون دولة للجميع وبالجميع، وكيف يمكن للشعب اللبناني ممارسة الديمقراطية والحريات في ظل سلاح هو "قدس الأقداس" خارج عن مظلة الدولة وقرارها يرتبط بالعرض وبالتكاليف الشرعية والفتاوى الاحترازية!!!

 

إن الزمن زمن مواقف ورجولة، فهل القيادات عندنا مدركة لواجباتها والمسؤوليات؟!

 

19 كانون الثاني 2006