الإستمرار بالطائف سيقود للمزيد من الضمور في دور ووجود المسيحيين وكل الأقليات في لبنان

بقلم/الياس بجاني

 

 (وطنية. دمشق 23/6/2006 أوضح وزير الإعلام السوري الدكتور محسن بلال للوفد الاعلامي اللبناني خلال لقائه في دمشق أن أبواب سوريا مفتوحة أمام من يرغب بزيارتها، وهي ليست ضد التمثيل الديبلوماسي وترسيم الحدود بين البلدين، وأشار إلى أن العلاقات السورية اللبنانية تحكمها الروابط التاريخية والجغرافية ومعاهدة الأخوة والتنسيق التي أقرها البرلمانان السوري واللبناني.وأكد أهمية المجلس الأعلى السوري- اللبناني الذي يترأسه الأمين العام نصري الخوري.)

 

تناولنا في مقالتنا السابقة المعنونة "قادة مسيحييون مسوخ ورؤى نرجسية"، كلام الرئيس السنيورة من بكركي عن تقيده الكامل بالطائف الذي وجهه بتهكم مبطن إلى تجار الهيكل وبائعي الكلام الخشبي من القادة المسيحيين المسوخ الذين احتجوا إعلامياً على "الشهوة الحريرية إلى السلطة" وتحديداً الحشو الوظيفي في وزارة الداخلية وبلدية بيروت.

 

كلام السنيوره الناطح أكمله الوزير السوري السافر ولكن بتبجح عن "معاهدة الأخوة والتنسيق"، أهم مكنونات الطائف الذي ألغى لبنان الكيان والدولة والهوية والاستقلال، وجعل منه محافظة سورية، كما همش بالكامل دور المسيحيين وصادر كل حقوق الأقليات بعد أن حولهم جميعاً إلى أهل ذمة.

 

من الأهمية بمكان ربط كلام الرجلين بـ "الطائف" رغم أن كل منهما يتناول منه البنود التي يراها حاميةً لأطماعه والهيمنة ومد اليد على "خرج الآخرين".

الوزير السوري لم يرَ أي آلية لمعالجة كل الخلافات القائمة حالياً بين البلدين منذ انسحاب جيشه المذلول من لبنان السنة الماضية، إلا من خلال بنود "معاهدة الأخوة والتنسيق" (وقعت في 22 أيار 1991) التي أقرها الطائف.

 

الوزير محق تماماً وهو بتصريحه الوقح والفوقي لم يخالف أي بند من بنود المعاهدة التي ربطت كل مؤسسات لبنان الحكومية المدنية والعسكرية على حد سواء بسوريا.

من هنا فإن كل المطالب اللبنانية الحالية التي تتناول ترسيم الحدود والعلاقات الدبلوماسية والعلاقات الندية وغيرها هي مخالفة للمعاهدة تلك وبالتالي مخالفة للطائف.

 

وكما كان حال لبنان المذري مع اتفاقية القاهرة التي أعطت منظمة التحرير الفلسطينية حق إقامة دولة لها في الجنوب وفي دويلات ومربعات المخيمات الفلسطينية الأمنية الثلاثة عشرة في صيدا وصور وبعلبك وطرابلس وبيروت، كذلك هو حال لبنان المصادر كيانه والاستقلال مع الطائف الذي أوجد نظاماً هجيناً للوزير فيه صلاحيات تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية، وصلاحيات لا تتناسب مع المقامات إضافة إلى سلطات وصلاحيات وقوانين متشابكة بعضها ببعض بدهاء الأبالسة بهدف تعطيل عملها وتهميش دور المسيحيين والأقليات كافة.

 

كنا توجهنا إلى القادة المسيحيين من متبني وموقِّعي الطائف طالبين منهم مصارحة مجتمعاتهم وإبلاغهم علنية أن ما يتعرضون له منذ سنة 1990 من قهر وتهجير وتهميش وتغييب عن كل مواقع الدولة (17% فقط) هو الطائف وليس أي شيء آخر، وأنهم هم قد قبلوا به مقابل أثمان مالية ومواقع نفوذ فردية وآنية مخجلة!! هيهات لو يشرحون لنا اين هم اليوم من نتائج الطائف؟

 

السنيورة قال لهم بلباقة ما معناه "اقفلوا على الباقي".

واليوم نقول للرئيس السنيورة وبلباقة أيضاً "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها".

 

فقد توهم من يمثلهم السنيورة أن الطائف سيمكنهم من تسلُّم الحكم في لبنان وتهميش دور ووجود باقي الشرائح فيه.

إلا أن الطائف الفخ حوّل كل اللبنانيين إلى مجتمعات مهمشة وجعل من وطنهم ساحة لحروب الآخرين من الأقربين والأبعدين، ومتنفساً لعقدهم وصراعاتهم والأصوليات.

المطلوب الآن من السنيورة وباقي ربع المستقبل ومعهم تجار الهيكل من القيادات المسيحية الملحقة هنا وهناك أن يدركوا أنه بظل الطائف وما تبعه من معاهدات غضوا الطرف عنها وشجعوا على إبرامها وفرضها، وفي مقدمها "معاهدة الأخوة والتنسيق" لن تقوم علاقات متوازنة مع سوريا خصوصاً.

 

في حين جيوش سوريا اللبنانية والفلسطينية داخل وطن الأرز هي مشرعة في الطائف الذي ربط لبنان بالصراع العربي الإسرائيلي وشرعن ما يسمى زوراً مقاومة ومقاومين.

لا راحة للبنان واستقرار، ولا استقلال وقرار حر وسيادة ناجزة، ولا علاقات ندية ومتوازنة مع سوريا، ولا فك اشتباك مع الصراع العربي الإسرائيلي، ولا توازن لبناني داخلي بين الشرائح جميعها، ولا إيقاف للمنحى الانحداري لحقوق ووجود المسيحيين والأقليات كلها، ولا لجم لشهوة السلطة عند بعض الواهمين على حساب شركائهم في الوطن، ولا عودة للبنان المميز إلا بإلغاء اتفاقية الطائف تماماً كما تم إلغاء اتفاق القاهرة من قبل، ومن ثم التوافق على نظام عادل يكفل ويصون حقوق وحرية ووجود وحضارات وتاريخ وكرامات كل الشرائح التي يتكون منها المجتمع اللبناني.

 

لإستعادة لبنان، واسترداد استقلاله وسيادته فعلاً، ولإبقائه وطن الرسالة والنموذج الأفضل لتلاقي الحضارات، وللمحافظة على فرادته وتميزه، لا مفر من إلغاء الطائف الذي توهمت شريحة من اللبنانيين ولا تزال أنه طريقها والوسيلة لحكم لبنان.

 

كما أن قيام الدولة مستحيل قبل إنهاء دور حزب الله المسلح وفرض السلطة الشرعية بالكامل على كل مربعاته الأمنية.

هذا ولم يعد خافياً على أحد أن هذا الفريق يعمل علنية بجد ومن خلال مخطط مرسوم بدقة على استنساخ تدريجي للنموذج الإيراني "الملالوي" في لبنان.

وفي هذا السياق لا بد من جمع كل السلاح الفلسطيني دون أية مماطلة وفرض سلطة الدولة وقوانينها وشرائعها على كل مقيم داخل لبنان.

 

وكل ما عدا ذلك مضيعة للوقت ورضوخ ذمي للمتوهمين حكم لبنان ولأصحاب مخططات الاستنساخ ليتقاسما النفوذ والخيرات "وليتصلبتا" بحرية على كامل حقوق غيرهما من باقي الشرائح.

 

البداية تكون بالإلغاء الفوري لمعاهدة الأخوة والتنسيق وهي طبقاً للقانون الدولي لاغية كونها تمت في ظل الاحتلال وبين فريقين أحدهما يهيمن بالقوة على قرار الآخر.

أما الحقيقة المرة التي تعامى عنها من توهموا الحل والخلاص من خلال العلمانية في طروحاتهم هي إنكارهم لواقع لبناني متميز معاش في محيط كبير لا يمكن أن يقبل بالعلمانية بأي شكل من الأشكال.

 

كما أنهم تناسوا وعن عمد أن علة وجود لبنان الدولة والهوية والتميز تكمن في أنه كيان للطوائف والحضارات التي لجأت إليه عقب قهرها وسحقها في دول الجوار.

هذا والعلمانية كتغيير جذري لا يمكن أن يأتي من أعلى وبقرار فوقي، ولا يفيد في الأمر مجرد تغيير في بنود دستور أو قانون، ولا يفيد فيه مجرد الحيلولة بين رجال الدين وبين التحكم في قرارات الدولة.

 

فما دام الإنسان الفرد يعتمد في نظرته إلى العالم على مرجعية مذهبية – دينية وأصولية ثابتة غير قابلة للتغيير، تفضي به إلى تجاهل العلم والعمل به، فمن العبث الحديث عن الليبرالية أو العلمانية، لأن الأمر عندئذ سيكون مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق، وإن كانت صالحة للتقاتل عليها إهداراً للوقت واستنفاداً للجهد.

 

حان الوقت لوقف التكاذب والتخاطب بصراحة والاعتراف من قبل الجميع أن لبنان مكوَّن من شرائح مختلفة دينياً ومذهبياً، ثقافياً وحضارياً، تاريخاً وهوية، وأن أي تهميش لأي شريحة من شرائحه وتحديداً الشرائح المسيحية سيقوض كل مقومات الدولة التي يصبوا إليها اللبناني المحب للحريات والديموقراطيات التوافقية والسلام العادل والمساواة والحقوق واحترام الآخر. وبغير هذا المفهوم ينتهي لبنان التميز والهوية والتعايش والرسالة.

 

26 حزيران 2006