13 تشرين الأول: سقوط أقنعة وانكشاف عورات

بقلم/الياس بجاني

 

لم يعد خافياً على أحد الدور الهدام والإبليسي الذي يقوم به بوقاحة متناهية أرباب الحكم السوري البعثي في لبنان مباشرة وعن طريق جماعة حزب الله وباقي الميليشيات الفلسطينية واللبنانية المسلحة بالتناغم التام مع أقوام سياسية وحزبية وأصولية وانتهازية لم تؤمن بلبنان وهويته في يوم من الأيام.

 

لقد تفشى وباء هؤلاء وللأسف كالسرطان بين ظهران كافة طوائفنا والمناطق وهم بقديمهم وجديدهم يتاجرون ويزايدون ويشحنون مستغلين حاجات الناس المعيشية وضيقتهم المالية وغياب الدولة والسلطة. ضمائرهم تخدرت، كما وجدانهم، وقد انتفخت جيوبهم وأرصدتهم البنكية وباتوا لا يبالون بغير أطماعهم والكراسي.

 

إنهم صنوج وأبواق مأجورين لضرب الاستقرار والأمن، انتهاك الحقوق والحؤول دون عودة السلام إلى وطن الأرز وذلك عن طريق تعطيل مهمة القوات الدولية وقرارات مجلس الأمن وإبقاء وطننا ساحة لحروب الآخرين ومنطلقاً للفوضى وثقافة الكره والأصولية.

 

في هذا السياق الجهنمي جاءت تصريحات الرئيس السوري لصحيفة البايس الاسبانية يوم الأحد الماضي 30/9/2006  ومن ثم لصحيفة الأنباء الكويتية في 7/10/2006 حيث تدخل بشكل سافر في الشأن اللبناني الداخلي، تحدى دول العالم الحر وقرارات مجلس الأمن وأحرار لبنان وأعلنً أنه لن تتمكن أية قوة دولية من منع وصول السلاح إلى حزب الله عبر حدود بلاده مع لبنان، قائلاً " لا قرارات مجلس الأمن ولا كل تقنيات ولا جيوش العالم تستطيع أن تمنع هذه العملية".

 

وقد لاقاه مسؤول منطقة الجنوب في جماعة حزب الله الشيخ نبيل قاووق بتصريح الاثنين 3/10/2006 جاء فيه: "إن مجاهدي المقاومة الإسلامية ما زالوا في قرى المواجهة على سلاحهم كما كانوا قبل 12 تموز". وأضاف: "إن العدو استخدم في هذه المعركة كل أسلحته العسكرية وكشف عن كل ما يمتلك من مفاجآت، لكن بالمقابل لم تكشف المقاومة عن كل المفاجآت العسكرية في المواجهة لأنها كانت في موقع القوة". علما أن الأمين العام لحزب الله كان أكد خلال خطبته في مهرجان النصر الإلهي أن مخزونه من السلاح تضاعف وأصبح لديه عشرون ألف صاروخاً وأنه لن يسلم هذا السلاح إلا لدولة مقاومة، أي إلى دولة جهادية قُميَّة يكون هو رأسها وحاكمها.

 

إن هذه الممارسات والتداخلات الناطحة بقرونها والمرامي والمعادية للوطن انساناً وحقوق، كياناً وأمن، وهوية ومصير، لا بد وأن تلفت الخيرين من أهلنا في الوطن وبلاد الانتشار إلى رزمة منتفخة من الحقائق والمحاذير منها:

 

إن أي مجموعة لبنانية مهما كان انتمائها السياسي أو المذهبي، صغيرة كانت أم كبيرة، تغض الطرف وتتغاضى عن لب المشكلة الأساس، أي عن استمرار وجود دويلة حزب الله وسلاحها غير الشرعي وأخطارها على الكيان والتعايش والديموقراطية وحرية المعتقد، أو تحاول الاستفادة من نفوذ وإرهاب هذه الدويلة ومالها "الحلال الشريف" لأغراض ومطامع شخصية من خلال تحالفات هجينة وأوراق بالية هي شريكة في المؤامرة على لبنان واللبنانيين.

 

إن كل مجموعة تعرقل انتشار قوات دولية رادعة على الحدود السورية اللبنانية لمنع تهريب السلاح والمخربين إلى منظمات الإرهاب والأصولية في لبنان هي شريكة في المؤامرة على لبنان واللبنانيين.

 

إن كل مجموعة تربط مصير سلاح حزب الله بالصراع العربي الإسرائيلي وبمتفراعته من سلاح مخيمات الفلسطينيين في لبنان وقرارات دولية ، 242، 338، 194، وخصوصاً إن كانت مواقفها هذه طارئة ومستجدة وقد جاءت بنتيجة حسابات وأطماع وأحقاد وعقد شخصية هي شريكة في المؤامرة على لبنان واللبنانيين.

أما هرطقة اشتراطهم تسليم السلاح لدولة قوية فسخيفة الطرح ومكشوفة الأهداف الملغمة، إذ كيف يعقل أن تقوم دولة قوية بوجود دويلات ومربعات أمنية وتشريع حدود وتدفق سلاح وفوضى.

 

إن كل مجموعة لا ترى في وجود القوات الدولية خشبة خلاص من جلجلة صراع مزمن مرير ومدمر وهجمات همجية على لبنان الكيان والديموغرافية والهوية منذ العام 1975 هي شريكة في المؤامرة على لبنان واللبنانيين.

 

إن كل الذين عارضوا ويعارضون وضع مهمة القوات الدولية تحت البند السابع من إعلان الأمم المتحدة ويقولون أنها قوات احتلال وهيمنة هم مساومون وضعفاء لن يرحمهم التاريخ بأحكامه ولا الناس.

 

متوهمون هم المتاجرون بحقوق المسيحيين إن اعتقدوا أن مجتمعهم في الوطن وبلاد الانتشار هو ساذج، فاقد لذاكرته، غير متابع لمجرى الأحداث وبالإمكان اللعب على مخاوفه ومعاناته من خلال خطابات ومهرجانات وفتح ملفات من الماضي ونكئ جراح. فهؤلاء الواهمون من السياسيين والأحزاب وفي كل مرة تغلق في وجوههم سبل الوصول إلى مآربهم الشخصية والنفوذية يلجأون إلى نغمة الحقوق وإلى الشحن المذهبي والصياح العكاظي، ومن ثم يتقهقرون زحفاً على بطونهم تحت جنح الليل عائدين إلى جحورهم ليستكينوا تحت رايات العلمانية والتحرر الكاذبة.

 

إن كل مجموعة غير جادة في مطالبتها بقانون انتخابي عادل ومتوافق مع خلفيات وحقوق المجموعات اللبنانية الإثنية والحضارية هي شريكة في المؤامرة على لبنان واللبنانيين. إن المثابرة في هذا المنحى المطلبي تبقى المعيار الذي تقاس على أساسه مصداقية العاملين في الشأنين الوطني والسياسي.

 

 نحن لم نستغرب نفي الحكم السوري قبل يومين وجود معتقلين لبنانيين في سجونه، فهو عودنا على هذه الأسلوب اللا إنساني واللا أخلاقي، ولكن ما أحزننا وصدمنا هو صمت سياسيين وأحزاب من أهلنا على هذا التجني ومماشاة البعض من الذين كانوا في صفوف السياديين له وملاقاته بمواقف مطابقة هي بالواقع كفر وجحود وتراجع عن وعود ونقض لعهود.

 

إن ما يحزن ويغضب وسط سوق عكاظ المتاجرة بحقوق المسيحيين تحديداً هو استمرار معاناة أهلنا اللاجئين إلى إسرائيل منذ العام 2000 لا تزال بآلامها ولعنة التخلي رغم كل المستجدات والتطورات الأخيرة. أما مرد كل ذلك فإلى ذمية فاقعة ودناءة نفوس نتنة مِن قِّبل قادة وسياسيين وأحزاب كانت الآمال معلقة عليهم وقد ابتكرت عقولهم الملحقة بجماعات محور الشر مسميات مذنبين ومرتكبين ومغرر بهم وأبرياء للهروب من تحمل المسؤوليات وتجويف القضية من مضمونها الإنساني والمقاوماتي والحقوقي وقتل بعدها الوطني.

 

إننا وفي الذكرى السنوية لرحيل وتغييب المئات من أهلنا مدنيين وعسكر ورهبان الذين قدموا أنفسهم راضين فرحين قرابين على مذبح لبنان في 13 تشرين الأول سنة 1990 دفاعاً عن حريات وكرامات وهوية، نرفع الصلاة من أجل راحة نفوس الذين قضوا في ساحات الشرف، ومن أجل عودة القابعين في غياهب معتقلات البعث اللعينة، ونستمطر نعم الصبر والسلوان لذويهم جميعاً راجين أن لا تكون تضحياتهم الجسام قد ذهبت سدى بعد أن تشابكت أيدي ومصالح وأوراق ومنطق ومخططات من قتلهم ونكل بهم في ضهر الوحش وبسوس وباقي مواقع الصمود عن سابق تصور وتصميم، مع من كان في موقع المسؤولية الوطنية والقانونية المكلف صون الوطن والأعراض والذود عن الهوية والكيان والمعتقد.

 

إن شهداؤنا الأبرار الأحياء منهم والأموات على حد سواء، لا بد وأنهم يتقلبون اليوم غيظاً في قبورهم والمعتقلات وهم يشاهدون حال قادة وسياسيين عقدوا الآمال عليهم ومنحوهم الثقة والولاء، وهم قد انحدروا إلى درك السياسات الرخيصة، فانقلبوا على طروحاتهم والشعارات كافة وراحوا يسوقون للتبعية والذمية ويتسوقون معايير النصر الإلهي وثقافة العداء ورفض الآخر من عند الغير المختلف عنا فكراً وعقيدة ونمط حياة وتطلعات.

من أجل راحة نفوس الشهداء،  كل الشهداء، نصلي.

من أجل هداية وتوبة قادة ضلوا الطريق والأهداف، نصلي.

من أجل عودة المعتقلين اعتباطاً في السجون السورية، نصلي.

من أجل رجوع اللاجئين إلى إسرائيل من أبطال جنوبنا المعذب، نصلي.

من أجل عودة السلام والطمأنينة إلى ربوع وطن الرسالة، نصلي ونتضرع.

 

13 تشرن الأول 2006