أهلنا في إسرائيل، هل من يتذكرهم!!

بقلم الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

أيار شهر الورود إنما كان لنا شهر الأشواك، في 22 منه سنة 2000 سحبت إسرائيل جيشها من جنوب لبنان تطبيقاً للقرارين الدوليين 425  و426، وذلك بعد مرور اثنتين وعشرين سنة على صدورهما عن مجلس الأمن الدولي (صدرا سنة 1978).

تقاعست السلطات اللبنانية في حينه عن القيام بواجباتها الوطنية والإنسانية بسبب تبعيتها المطلقة لفرمانات المحتل السوري. تخاذلت عن ملء الفراغ الأمني وبسط سلطتها على أرض الجنوب بواسطة قواها الذاتية من جيش وقوى أمن.

دفنت رأسها في الرمال وتخلت بالكامل عن دورها لغيرها.

الآلاف من أهلنا الجنوبيين وبسبب غياب وتغييب الدولة، وخوفاً على حياتهم وحياة عيالهم من جراء التهديد والوعيد أجبروا على مغادرة بيوتهم وأملاكهم، ولجأوا إلى إسرائيل.

من يومها وهم منسيون ويتم التعامل مع قضيتهم بسطحية واستنسابية مغلفتين بظلم فظيع، تجني جائر وذمية فاضحة.

ومن جازف منهم وعاد تعرض لمحاكمات مهينة ومسخفة طبقاً للمعايير القضائية والقانونية الدولية كافة.

نعتوهم بالخونة والمتعاملين والمرتكبين ولم يتركوا مسمى مشين إلا وألصقوه بهم.

منذ فرض الطائف وإسقاط حكومة الرئيس العماد ميشال عون العسكرية الشرعية سنة 1990 بقوتي الغدر والسلاح، صدر أكثر من قانون عفو عام طاول قادة مليشيات، ومجرمي حرب، وأصوليين قتلة، وبن لادنيين اعتدوا على الجيش وقطعوا رؤوس ضباطه، ومافياويين ومتآمرين ومهربي مخدرات وغيرهم الكثير.

كل ذلك على قاعدة "عفا الله عما مضى".

المطلوب بعد سنين الحروب المدمرة فتح صفحة جديدة تؤسس لإعادة بناء لبنان العدل والقانون والمساواة.

لن نغوص هنا في متاهات التخوين والتنظير، أو المكابرة والأوهام، ولا في هرطقات التحرير والقهر والصهر.

"نريد أن نأكل عنباً لا أن نقتل الناطور".

لقد دخل لبنان بعد تحريره من سوريا البعث حقبة جديدة من تاريخه المعاصر تستوجب استعمال معايير واحدة للعدل، وواحدة أيضاً للعفو، كما للتعامل والخيانة.

من هنا نطالب الأكثرية النيابية التي هي أكثرية في الحكومة "السنيورية" أيضاً، أن تتصرف في هذا الشأن دون خوف، محاباة، مماطلة أو تردد وتأخذ المبادرة من خلال خطوة شجاعة.

نطالبها تبنى مشروع قانون عفو عام عن كل أهلنا اللاجئين في إسرائيل، خصوصاً وأن المعارضة النيابية المتمثلة بكتلة الإصلاح والتغيير قد تبنت هذه الكلف علنيةً وبشفافية مطلقة منذ أول جلسة لمجلس النواب الحالي.

وفي هذا السياق فإن المطلوب تحديداً من القوى المسيحية المنخرطة في صفوف الأكثرية النيابية أن تتبنى هي مشروع العفو المطلوب وتجهد على أمر تمريره في مجلسي الوزراء والنواب بعناد وإصرار.

وإلا فلتصارح مجتمعها بالأسباب التي تحول بينها وبين هذا الإجراء!!

لا داعي لنُذَّكر ربما من ضعفت ذاكرتهم أن العديد من أفراد وقيادات جيش لبنان الجنوبي المسيحيين كانوا ينتمون للأحزاب والمجموعات المسيحية الأعضاء اليوم في صفوف الأكثرية النيابية.

كما أن الكثير من أفراد وقيادات الجيش الجنوبي الذي تفكك سنة 2000, وهم حالياً لاجئين في إسرائيل وفي غيرها من الدول، كانوا معينين في صفوف ذلك الجيش من قبل تلك المجموعات والأحزاب.

إن أهل الجنوب هم ضحايا اتفاقية القاهرة، وان كان لا بد من محاكمة أحد، فليحاكم كل من رضي بذلك الاتفاق ووقع عليه.

كلمة حق نقولها براحة ضمير لقادة هؤلاء الأحزاب السابقين واللاحقين ولو أزعجت بعضهم:

"إن أي إدانة لأفراد جيش لبنان الجنوبي" في ظل الاستقلال الحالي، هي بالواقع إدانة لهم ولسجلهم النضالي، فكفى جلداً للذات، وهرولةً من تحمل المسؤوليات، ودفناً للرؤوس في الرمال.

لقد حان الوقت لوقفة ضمير ومحاسبة.

المطلوب اليوم إخراج ملف أهلنا اللاجئين في إسرائيل من دهاليز السياسة والمناكفات والمزايدات.

الملف إنساني وحقوقي بحت، فليترفع الجميع عن الصغائر ويتعاملوا معه على هذا الأساس.

لكل القادة والسياسيين والمرجعيات في لبنان نقول:

ارحموا أهلكم اللاجئين في إسرائيل، فكوا أسرهم، أعيدوهم إلى وطنهم وإلى كنف أهلهم.

كفاهم غربة وعذاب، وكفاهم ظلماً وتجنياً وتخلياً.

إن العدل لا يعتبر عدلاً إلا إذا عم الجميع، فدعوا عدل وطن الأرز يشمل أبناءه المنسيين في إسرائيل.

23 أيار 2006