العماد عون يرد على جزعبلاته ويكشف بنفسه تناقضاته

الياس بجاني*

 

خطفت زيارة العماد عون "الإستدعاء" إلى سوريا الأضواء، وبالفعل أحدثت صدمة لدى اللبنانيين السياديين لا يجب أن يستهان أبداً بمفاعيلها ومضاعفاتها السلبية. وباللبنانيين نعني هنا الـ 70% من المسيحيين الذين صدقوا وعوده ومنحوه ثقتهم وأصواتهم.

 

هؤلاء لم يكونوا من أعضاء أحزاب الكتائب، والقوات اللبنانية، والوطنيين الأحرار، وحراس الأرز، والكتلة الوطنية، وتيار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وبالتأكيد لم يكونوا من حزب الله، أو حركة آمل، أو جماعات البعث والقوميين والأصوليين والبن لادنيين.

 

 هؤلاء كانوا الأكثرية الصامتة من المسيحيين غير الراضين عن ممارسات وخيارات وخطابات معظم هذه التنظيمات والجماعات، ومن غير المقتنعين بصوابية الكثيرمن مواقف قادتها، وقد رأوا في خطاب العماد وفي جرأته وصراحته وطروحاته ما يحاكي أوجاعهم وأمالهم وتطلعاتهم وضمائرهم.

 

هؤلاء الـ 70، ونحن منهم، صُدِمنا بنبرة ووقاحة وعهر "تكويعات" العماد الـ180 درجة، وخابت آمالنا به، وبتنا نرى في تصرفاته وخزعبلاته اسخريوتية فاقعة وفاضحة غريبة عنا، وعن ثقافتنا، وحضارتنا، وجذورنا، وهويتنا، وثوابت مرجعياتنا التاريخية.

 

حتى الآن لا نكاد نصدق ما نرى ونسمع ونقرأ من وعن العماد. فالرجل بخطابه "التكويعي المسورن" يُهين أكثر وأكثر الذكاء والذاكرة عندنا، ويستهزئ بمشاعرنا، ويستخف بأحاسيسنا، ويخدش كبريائنا وعزتنا. هو يتصرف معنا وكأننا قطيع من الأغنام بإمكانه أن يسوقنا إلى أي مكان يريد، أو رصيد في حسابه البنكي يُجيرّنا بشطحة قلم لمن يشاء، وفي أي وقت يراه مناسباً لخدمة مصالحه ونفوذه.

 

قمة الاستخفاف والإستهزاء والإهانة التي تطاول الـ 70 % من المسيحيين تكمن في تفاهة وسطحية وصبيانية تبريرات العماد "لتكويعاته" السورية والإيرانية. فهو يقول ما خلاصته: "إنني افعل ما فعله كل رجال السياسة في لبنان منذ عام 1976 ، فما الغرابة في ذلك، وأين الغلط؟ وكل منتقدي تحالفي مع حزب الله ونظام الشام وملالي إيران، وكل الذين يهاجمون زيارتي الحالية إلى سوريا "حفيت" أقدامهم على طريق الشام، وكانوا عملاء للمخابرات السورية لسنين طويلة.

 

إنه يبرر أفعاله وارتكاباته الخطايا بأفعال وارتكابات من بنى على خلفية معارضتهم والوقوف ضد خياراتهم وسياساتهم وتحالفاتهم حيثيته السياسية والشعبية المسيحية. هذا الرجل يتناسى، بل يتعامى عن سابق تصور وتصميم عن حقيقة أن الـ 70% اللذين وقفوا معه، فعلوا ذلك بسبب معارضتهم الشديدة لتلك الأفعال والإرتكابات، والتي هو يرتكبها الآن. وهنا تكمن الإهانة لكل هؤلاء، لأن الخطأ لا يبرر بالخطأ، والخيانة لا يُغسل عارها بالخيانة، والعمالة لا يُبيض وجه صاحبها بخيانة الغير.

 

لا بد هنا من الإشارة إلى أن كل القادة والسياسيين الذين يبرر العماد عون انحرفاته "المسورنة" واسخريوتيته القاتلة بممارساتهم ومواقفهم خلال حقبة الإحتلال السوري للبنان قد عادوا إلى الكنف الكيان اللبناني، وإلى شعار "لبنان أولاً"، واعتذروا من اللبنانيين، وتعمدوا بالشهادة والدم، فيما العماد نفسه ترك لبنان واللبنانيين الأحرار، ونحر شعارات الحرية والسيادة والإستقلال، والتحق بالمحور السوري الإيراني، وتحول إلى مجرد بوق وصنج "وهابي وقنديلي" لهذا المحور.

 

نعم، من حق الـ 70% من المسيحيين تحديداً أن يحاسبوا العماد طبقاً للمعايير التي هو نفسه وضعها بما يخص كل القضايا الوطنية، وفي مقدمها "المشكلة اللبنانية السورية"، التي أمضى 18 سنة وهو يوثقها ويسوّق في كل بلدان العالم لطُرق حلها. هو الذي طالب بضرورة ترسيم الحدود بين البلدين، وهو الذي اتهم النظام السوري بأنه ستاليني، ومجرم، وتاجر دماء، ويصدر الإرهاب، ويتآمر مع إسرائيل، ويخطف، وبضطهد، ويقتل، ويغتصب، وينهب، ويهدم الكنائس، ويغتال الرهبان، ويدمر القرى، ويجنس الإغراب، ويفرّق الناس، ويدمر المؤسسات، وتطول قائمة التوصيف هذه الموثقة من قبل العماد نفسه. 

 

وهو الذي قال للسوريين إن افضل ما عندكم لا نريده ولا يناسبنا، وهو من قال للعالم أنه لا وجود لمنظمات إرهابية، بل لأنظمة "تفقس" جماعات إراهبية، وخص بالذكر كل من سوريا وإيران.  وهو أيضاً الذي قال إن جرائم سوريا في لبنان هي ضد الإنسانية.

 

هو الذي أقام الدنيا ولم يقعدها يوم خلع النظام السوري عباءة الولاء على كل من تيمور وليد جنبلاط وسليمان طوني فرنجية، وهو نفسه الذي أُلبس هذا الأسبوع نفس العباءة في عاصمة الأمويين وهو "طاير من الفرحة". إنها فعلاً مهزلة وقمة في الحربائية!!!

 

هو الذي سأل في 24/10/1997 متى يعتذر السوريون ويتوب النظام السوري عن الجريمة، قائلاً: "فهل يستطيع الأساتذة السوريون اللذين لا يفصلهم عن أساتذة السوربون سوى نقطة تضاف إلى حرف الباء، أن يعتذروا عن جرائم نظامهم في سوريا ولبنان؟"

 

وهو نفسه الذي ومن سوريا قال أول من أمس بعد لقاء الرئيس الأسد: " هل اعتذر اللبنانيون الموجودون في بيروت الذين كانوا شركاء مرحلة معينة مع من كانوا مسؤولين في حينه عن الملف اللبناني، هل اعتذروا من اللبنانيين كلبنانيين؟ أو ما زلوا مستمرين في ضربنا. الذي حصل هو تكريم وليس اعتذارًا ويجب ان يبدأ اللبنانيون في بيروت بالاعتذار اولاً لنستطيع إلزام الشام الاعتذار".

 

نسال العماد السائح في سوريا فيما إذا كان بحث مع "الأشقاء" بأمر تلك النقطة التي تضاف إلى حرف الباء التي أوردها في مقالته المذكورة أعلاه؟

 

عجبي، فالرجل الذي كان يحمل قضية أهلنا المعتقلين في السجون السورية، أنكر وجودهم،

عجبي، فالرجل كان يدافع عن أهلنا اللاجئين في إسرائيل، يريد الآن عودتهم عن طريق المحاكم، وهو يخجل من طرح قضيتهم بالعلن.

عجبي، فالرجل الذي كان يعتبر مزارع شبعا كذبة كبيرة وغير لبنانية، لا يريد اليوم تحريرها إلا بالقوة العسكرية،

عجبي، فالرجل الذي كان يحمل لواء الشرعية والقرارات الدولية والمؤسسات وضرورة حصر السلاح بالدولة فقط، يطالب اليوم بتحويل الشعب كله إلى مسلحين،

عجبي، فالرجل الذي كان يعتبر أن مقاومة حزب الله هي مقاومة بالتراضي مع الإسرائيلي (مقاله له حملت عنوان تفاهم نيسان، اتفاق أمني ومقاومة بالتراضي 15/8/1997)، أصبح اليوم من اللذين يربطون عودة الفلسطينيين إلى بلادهم وتنفيذ القرار 194 بمصير سلاح حزب الله.

عجبي، فالرجل يتعامى عن وجود 3 معسكرات سورية في لبنان هي الناعمة وقوسايا وحلوة ويقول: "سوريا صارت في سوريا".

عجبي، فالرجل الذي كان يُبشر بالسلام  وبالحضارة وبالقيم والمبادئ الغربية، وبضرورة التقيد بالقررات الدولية، قد تحول إلى معادٍ للغرب وللأمم المتحدة وللثقافة الغربية.

 

وفي نهاية هذه المقالة سوف نترك العماد عون يرد بقوة وإيمان على الخزعبلات التي أطلقها هو نفسه من سوريا اليوم وأمس وأول من أمس, وهو بنفسه أيضاً سوف يبين تناقضاته ويكشف عوراته ويسقط القناع عن وجهه، وجه البربارة السوري-الإيراني.

 

الرد "المضبطة" هذا سنستعيره من مقالة كتبها العماد بتاريخ 5/9/1997 تحت عنوان: "سوريا تفترس لبنان بالمزايدة والابتزاز والإرهاب". وهي بالواقع تحاكي كل تصرفات وتصريحات ومواقف وتحالفات العماد الحالية وتصفها بما يستوجبه حق الوصف من شفافية وصدق. حبذا لو قرأها العماد وهو لا يزال في بلاد الأمويين لعل تستفيق فيه ذاته السيادية التي قتلها باسخريوتيته والجحود!!

 

هذا ما جاء في مقالة العماد حرفياً وعنوانها "سوريا تفترس لبنان بالمزايدة والابتزاز والإرهاب:

("ما يشهده لبنان اليوم من فوضى سياسية واقتصادية وأمنية ليس سوى فصل من مسرحية النظام السوري في لبنان.

فتسعير الخطاب السياسي المذهبي، وإغراق لبنان في العجز والديون، وإحراق جنوبه بمقاومة تخلى عنها العرب مجتمعين، عمليات إجرامية لقتل لبنان وجعله جثة هامدة، والنظام السوري، الذي يفتقر إلى الديموقراطية والحرية والازدهار والعدالة التي تستقطب الجماهير، يعتمد الأساليب السلبية لإخضاعها، كالمزايدة والابتزاز والارهاب،

من هذه المنطلقات وحدها نستطيع ان نفهم كل ما يجري، ليس في لبنان وحسب، بل في سوريا أيضاً،

ولما زايدت سوريا بحماية الثورة الفلسطينية قامت بضربها، وعايش اللبنانيون هذه المرحلة،

وإذا ما ما غالت بعروبتها فلأنها تتحالف مع إيران،

وإذا ما استفاضت في مقاومة إسرائيل فلأن الأمن يخيّم على حدودها معها،

وإذا ما بالغت في قلقها على لبنان فلأنها تريد ابتلاعه لا حمايته،

وإذا ما دعت إلى الوحدة الوطنية في لبنان فلأنها تريد تفتيتها لا صونها،

وإذا ما ضغطت سوريا على أبواقها للردّ على الزعماء اللبنانيين فلأن لديهم ملفّات وقد تورطوا معها ومع غيرها ولا يستطيعون الرفض، وهكذا تسهل قيادتهم كالثيران المنخورة الأنوف تجرّ بخيط وحلقة.

ويبقى الارهاب العامل الأهم في السياسة السورية المعتمدة، بدءاً بالإيحاء من خلال محيطه، انتقالاً إلى التهديد المباشر، وصولاً إلى التنفيذ.

فقبل الكلام عن ضم لبنان بدأ السيد خدّام بتنبيه اللبنانيين من عودة الحرب الأهلية إلى لبنان إذا ما انسحبت القوات السورية منه، وتبع هذا التنبيه تحذير من الفتنة انطلاقاً من جزين لإلصاق التهمة بإسرائيل، ثم جاءت مطالبة مدير الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بإسقاط الحدود، وبعد هذا جاء الهجوم المباشر على غبطة البطريرك لأنه يطالب بعودة السيادة وخروج القوات السورية من لبنان.

فهدد الأمير بالتهجير، البيك بعودة المدفع، وتجنّد أحد الأحزاب للإفتاء بأن كلام البطريرك هو خروج على الإرشاد الرسولي.

إلى هؤلاء جميعاً، إلى أسيادهم نقول: "إن المسيحية، دين شهادة وفداءٍ وقيامة. بشّرت العالم بالكلمة، ورسّلها لم يحملوا سيوفاً ومدافعاً ولم يخافوا أسود روما مجتمعة، وأدّوا رسالتهم وانتصروا على قوى الشرّ بشجاعتهم وقوة إيمانهم.

إن الإرهاب السوري، سواء جاء مباشراً أو غير مباشر على لسان أبواقه في لبنان، لن يخيف أحداً. ونحن اللبنانيين، الذين تعوّدنا الشهادة للحق، لن ننزلق إلى متاهة الخطاب المذهبي الذي ترعاه سوريا في لبنان وسنردّ وطنياً، دوماً وأبداً، ولن نساير في قول الحقيقة وإن جرحت.

أيها اللبنانيون، هلا حملتم السياط لطرد اللصوص من الهيكل اللبناني؟)".

 

ويسألوننا لماذا كنتم تؤيدون العماد طوال فترة نفيه؟ أبعد هذا الكلام كلام!!

ويسألنا اليوم من بقي مع العماد لماذا نعارضه؟ أهذا بالله سؤال لعاقلين وسياديين!!

 

*اضغط هنا لقراءة المقالة الواة أعلاه

http://www.10452lccc.com/general%20aoun/aoun.5.9.97.htm

 

  

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكترونيphoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 6 كانون الأول 2008