الجنرال عون: ماضيه يخجل من حاضر
بقلم/الياس بجاني*

بالتأكيد لم يعد للكلام أي منفعة في شأن تصويب حالات "السورنة" "والأولهية" و"الأنا المتورمة" التي غرق في شباكهم، وعلق في أوحالهم العماد ميشال عون، كما لم تعد مناشدته بالعقل والمنطق والضمير تجدي نفعاُ.

مسكين هذا الرجل، فهو يزداد وبسرعة قاتلة، وعلى مدار الساعة، ذوباناً والتصاقاً وتماهياً بالنظام السوري، وقد تفوق بأشواط وأشواط على ناصر قنديل، ووئام وهاب، وعبد الرحيم مراد، وميشال سماحة، وكريم بقرادوني. وبالفعل قد أمسى الثنائي "الزجال" إميل رحمة ووديع الخازن من صنف الملائكة مقارنة "بشطحاته" وشروده وشطره والأوهام.

من الملفت أن الجنرال هذا لم يعُد يكتفي برُزم الألقاب المدغدغة "للأنا العليا" عنده التي يخلعها عليه تماشياً مع المناسبات النائب "الوديعة" عباس الهاشم، من مثل: نابليون لبنان، والزعيم الأوحد، والقائد الملهم، والممثل الحصري للمسيحيين، وبطريرك لبنان السياسي وغيرها الكثير.

نعم كل هذا لم يعد يفي بالحاجة، وها هي وسائل إعلام الحلفاء الإلهيين والأشقاء "الفاهمين والمتفهمين" يقولون إن رحلة حج الجنرال إلى أعتاب الأمويين ستكون شبيهة بزيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الشام عام 2000، وأنه سيسير على خطى القديس بولس الرسول من الجامع الأموي الكبير، أو كنيسة مار يوحنا المعمدان سابقاً، وصولاً إلى مقام هامة مار مارون. حيث سيكون يكون له نشاط لافت وحفل استقبال شعبي في باب توما في قلب دمشق القديمة. وأوضحت نفس المصادر "الأبواق" أن ثمة تحضيرات كبيرة لاستقبالات شعبية حاشدة للجنرال لم تشهد سوريا مثلها منذ زمن. أما على المستوى السياسي، فيُنتظر أن يكون هناك أكثر من محطة تكريميّة، وأكثر من لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد.

المعيب والمهين لذكاء وذاكرة وكرامة الأحرار من اللبنانيين يكمن في شطحات الجنرال وديماغوجية وسطحية تعاطيه مع أمر انتقاله "النفعي والمصلحي" إلى القاطع السوري الإيراني. فهو يبرر كل ارتكاباته والأخطاء والخطايا بتلك التي مارسها الطاقم السياسي اللبناني المُدجن طوال حقبة الاحتلال السوري، وكأن هؤلاء هم كل اللبنانيين.

يتناسى الجنرال، بل يتعامى عمداً عن حقيقة مهمة وهي أن الـ 70% من المسيحيين الذين أيدوه في انتخابات سنة 2005، فعلوا ذلك لأنهم كانوا غير راضين عن ممارسات هؤلاء القادة، وخصوصاً بما يتعلق بمواقفهم من النظام السوري ومن حزب الله وسلاحه. علماً أن أكثرية القادة هؤلاء قد انتقلوا إلى قاطع "لبنان أولاً" منذ العام 2005 وعمدوا انتقالهم الوطني هذا بالدم والتضحيات، وقد قامت سوريا مباشرة أو من خلال جماعاتها المسلحة في لبنان باغتيال ومحاولات اغتيال العديد منهم.

السؤال الأول هنا، هل هناك فعلاً ما يبرر زيارة الجنرال لسوريا طبقاً لأي معيار وطني ومنطقي وأخلاقي؟
بالطبع لا، نحن لا نعتقد ذلك كون النظام السوري الستاليني المتحجر فكراً وممارسات ليس فقط لم يتغير، لا، بل ازداد "ستالينية ونازية" وعدوانية بحق شعبه وبحق اللبنانيين.

والسؤال الثاني هو، هل ستُبقي هذه الزيارة على أي مصداقية للجنرال عند الـ 70% اللذين صدقوه ووثقوا به واقترعوا له ولكتلته النيابية سنة 2005؟
لا نعتقد ذلك. وإلى الـ 70% من أهلنا نورد في أسفل مقتطفات مختارة من نصّ محاضرة العماد ميشال عون التي ألقاها في واشنطن بتاريخ 7 آذار 2003 بدعوة من "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية" وهي تركز على النظام السوري وعلى دوره الإجرامي حيث يحمله العماد مسؤولية كل أعمال الإرهاب التي شهدها لبنان.

 المقتطفات
1-*"فإما أن ينتصر العالم بقيادة الولايات المتحدة على الإرهاب، ويؤسّس لتفاعل إيجابي في إطار التعددية المجتمعية، وإما أن يستمر الإرهاب، وتدخل الإنسانية في مرحلةٍ من الظلامية والانحطاط". 

2-*"ولعب النظام السوري الدور الأول في هذه الحرب، فادّعى أولاً حماية الثورة الفلسطينية من اللبنانيين، فتحالف معها حتى تمكّن من تقويض استقرار المجتمع اللبناني، وتهديم مؤسساته الأمنية، ولما بلغ هذه المرحلة، ادّعى حماية لبنان من الفلسطينيين، وشرّع دخوله تحت اسم قوات الردع العربية العام 1976".

 -*"ما بين العامين 1976 و 1982، كانت "قوات الردع العربية" بقيادة رئيس الجمهورية اللبنانية، ولكن القسم السوري منها، وهو الأكبر، تصرّف باستقلالية تامة عن باقي القوى، وعن رئيس الجمهورية، فقصف الأحياء السكنية وارتكب المجازر، فرض الرقابة على الصحف وأقفل بعضها، اغتال سياسيين ورجال دين وصحافيين ودبلوماسيين ونسف سفارات، وهجّر معظم مواقع الدبلوماسية الدولية من بيروت، كما خطف جماعاتٍ وأفراداً من المواطنين، وقام بتصفيتهم، وشجّع على ارتكاب المجازر في بعض المناطق، كما اغتال الأسرى العسكريين، ولا يزال يحتفظ في سجونه بكثير من المخطوفين".

4-*"وتفرّد النظام السوري بلبنان الذي أصبح في معظمه تحت قبضته، يعيث فيه إرهاباً وفساداً، وجعل منه ملجأً ومرتعاً لجميع التنظيمات الإرهابية في العالم، يعملون انطلاقاً من أرضه. وفي ظل هذا النظام، ازدهرت زراعة المخدرات وصناعتها، وأصبح الشاطئ اللبناني مزروعاً بالمرافئ غير الشرعية التي تسيطر عليها الميليشيات المختلفة، وتستعملها منطلقاً للإرهاب والتهريب."

5-*"واستؤنفت عمليات الخطف والتقتيل، ونُسفت في هذه الآونة سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مرتين على أيدي الارهابيين المدعومين من سوريا، كما ضُربت قواتهما العاملة في إطار القوى المتعددة الجنسيات."

6-*"عمد النظام السوري إلى تهديم منظَّم لبُنى المجتمع اللبناني، فنصّب في جميع مؤسسات الدولة، السياسية والإدارية، دمىً تأتمر به وتنفذ رغباته وتبرّر سياسته. فتّت الأحزاب بجعل كل حزب منها أحزاباً، وفرض عليها الفكر الإيديولوجي الواحد، كما ألزم جميع وسائل الإعلام بالرقابة الذاتية".

7-*"واتّخذ (النظام السوري) من قضية مزارع شبعا ذريعة لعدم نزع سلاح الأحزاب الموالية له من أجل إبقاء التوتر في الجنوب، وجعل من هذه الأحزاب أداة ترهيب للمواطنين المطالبين بانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية". 

8-*"وإذا كانت بعض المجتمعات تشكو من وجود المافيا بينها، ومن بعض الفساد فيها، فإنه، وبفضل الاحتلال السوري، أصبحت المافيا هي التي تملك في مجتمعنا، وتشكّل كل الفساد."

9-*"تدّعي سوريا أنها تريد رعاية المصالحة بين اللبنانيين، ولكنها في الواقع تمنعهم من الحوار واللقاء، وتلعب دور الإطفائي المهووس، فتزرع الفتن بينهم حتى تؤمّن استمرارية الحاجة إلى وجودها."

10-*"إننا نرحّب بكل سياسة أميركية تساعد على ترسيخ الديموقراطية ونتمنّاها، ونساهم بكل مقدراتنا في إنجاحها، الشيء الذي لم نتمكن من القيام به في لبنان بسبب وصاية نظامٍ سوري عليه، يشكّل نقيضاً للديموقراطية". 

11-*"إن إعادة الحالة الديموقراطية الحرة إلى لبنان هي إعادة الصورة الحقيقية للولايات المتحدة، وتخليداً لذكرى الأمريكيين الذين سقطوا على أرضه".

وبما أن النظام السوري لا يزال هو هو، فهل يُعقل أن "يبلع ويهضم" أي عاقل من أهلنا، من الـ 70%  فرضية وهمية مفادها أن الجنرال ميشال عون، جنرال الرابية، هو فعلاً صادق وجاد في شأن فتح صفحة جديدة مع هذا النظام، وأن الماضي قد مضى، وأن الزيارة ضرورة تقتضيها مصلحة لبنان العليا؟

 جاء في الإنجيل المقدس (سفر حزقيال 18-27): "وإذا تاب الشرير عن شره وعمل ما هو حقٌ وعدلٌ فهو يُنقذ حياته".

 ترى هل تاب النظام السوري وهو يعمل الآن ما هو حق وعدل؟
الجواب متروك لضمير، واحترام ذات، ووطنية، وإيمان، وعزة نفس كل من توهم في يوم من الأيام، وربما لا يزال، أن الجنرال هو المخلص وأنه من طينة غير طينة الطاقم السياسي اللبناني التقليدي.

 في النهاية وبراحة ضمير نقول: "إن ماضي الجنرال بات يخجل من حاضره".

 ***اضغط هنا لقراءة محاضرة العماد ميشال عون موضوع هذه المقالة
http://www.10452lccc.com/aoun%20excerpts/aoun7azar03.htm

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي
*عنوان الكاتب الألكتروني
phoenicia@hotmail.com
*تورنتو/كندا في 28 تشرين الثاني 2008