واجب لبنان التجاوب مع دعوة رئيس وزراء إسرائيل

بقلم/الياس بجاني*

 

تناقلت وكالات الأنباء العالمية والمحلية يوم أمس وتحت عنوان: "أولمرت يدعو إلى مفاوضات بين لبنان وإسرائيل"، الخبر التالي:

 "دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى إجراء مفاوضات مع لبنان، وذلك بعد شهر من الإعلان عن مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل برعاية تركية. ونقل مسؤول اسرائيلي كبير عن اولمرت قوله خلال اجتماع حكومي، "ساكون مسرورا بان تعلن الحكومة اللبنانية، بعد الاعلان عن المفاوضات مع سوريا، رغبتها ببدء مفاوضات مباشرة مع اسرائيل". واضاف "ارى في ذلك منافع عديدة".

 

لقد حان الوقت للبنان أن يبدأ التفاوض مع إسرائيل فوراً وعلى أعلى المستويات حول كل الصراعات والإشكالات والمشاكل القائمة بين البلدين الجارين والعمل على انهائها بشكل سلمي وحضاري تماماً كما جرى مع مصر والأردن، ومن ثم توقيع معاهدة سلام تنهى حالة الحرب وتؤسس لعلاقات جيرة سلمية وحضارية.

 

المفاوضات ستكون سهلة وسلسة ودون تعقيدات وشد حبال بسبب عدم وجود أية مشاكل جوهرية بين البلدين اللذين كانت ولا تزال قانونياً، تحكم علاقاتهما اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949. ليس لإسرائيل أية أطماع بالأراضي اللبنانية وهي أثبتت ذلك قولاً وفعلاً من خلال عدم أقامتها ولو تجمعاً سكنياً واحداً في الجنوب اللبناني خلال تواجدها العسكري والفاعل فيه طوال 22 سنة والذي أنهته من طرف واحد سنة 2000. أما قضية المياة فيمكن تأطيرها باتفاقات ترعاها الأمم المتحدة.

 

الحدود الحالية بين إسرائيل ولبنان واضحة المعالم ومعترف بها ليس فقط من قبل البلدين وطبقاً لإتفاقية الهدنة، ولكن أيضاً طبقاً للخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة سنة 2000 .

 

أما مزارع شبعا الكذبة الكبيرة والوقحة التي يتلطى وراءها حزب الله تبريراً لبقاء دويلته وسلاحه خارج سلطة الدولة اللبنانية فأمرها سهل وإسرائيل أعلنت مراراً وتكراراً عن استعدادها التام للتخلي عنها من ضمن اتفاق شامل وبعد الاتفاق على ملكيتها بين سوريا ولبنان.

 

وهنا الكل من أهل وطن الأرز يدري، حتى الأطفال والسذّج منهم أن سوريا كانت تحتل مزارع شبعا بالقوة العسكرية منذ منتصف الخمسينات وأن إسرائيل احتلتها يوم احتلت الجولان سنة 1967. المزارع هذهً مشمولة بالقرارين الدوليين 442 و338 والدولة اللبنانية حتى وخلال هيمنة الاحتلال السوري الغاشم الكامل على قرارها (ما بين 1990 و 2000) لم تعلن في يوم من الأيام قبل سنة 2000 أنها معنية بهذين القرارين وكان كل تركيزها ومطالباتها تدور حول القرار 425 الذي نفذته إسرائيل سنة 2000 من طرف واحد بنتيجة رفض لبنان التعاون معها.

 

سنة 2000 اخترع حُكام سوريا بعقولهم المخابراتية والمريضة كذبة احتلال مزارع شبعا وربطوا مهمة تحريرها بسلاح حزب الله.

الكذبة كبرت وكبرت، حتى صدقتها عقول الحُكام السوريين المنسلخة عن الواقع، فيما راح حزب الله حامل راية ولاية الفقيه الخمينية يربط مصير ترسانة سلاحه الإيرانية والسورية المصدر والتمويل والأهداف والقرار والمبني وجودها أساساً على هذه الكذبة (كذبة شبعا) بالألوهية وهالة الكتب المقدسة، مهدداً ومتوعداً بقطع أيدي، ونحر رقاب، وفقر بطون كل المطالبين ليس بنزع السلاح، بل بتسليمه إلى الدولة اللبنانية.

 

فُضحت كذبة سلاح حزب الله "المقاوم" وسقطت كل الأقنعة عنه نهائياً في السابع من الشهر الماضي يوم أستُعمّل سلاح الغدر هذا لاحتلال بيروت وإرهاب وقتل أهلها والتنكيل بهم، ومن ثم محاولة أصحاب هذا السلاح الإيراني- السوري الفاشلة إركاع واحتلال الجبل.

 

بالتأكيد سيتنطح رافضاً دعوة رئيس وزراء إسرائيل رَبع تجار وسماسرة العروبة، ومتعهدو "المقاومة" الكذابة من فرس وأصوليين ونفعيين، وسوف يزايد على فجور ودجل وذمية وتقية هؤلاء طوابير رافعي رايات الممانعة على النمط البعثي السوري، ومعهم كل حفارو القبور من مرائين وكتبة وفريسيين وحربائيين.

 

وبالتأكيد أيضاً سوف يتنطح بالرفض والتشكيك والتخوين المعطوف على التهديد كل "المقاومين" البرابرة بفكرهم العفن، وأنانيتهم الصارخة، وعقدهم النفسية المتأصلة في أعماقهم، التي هي أعمق بمكرها والكفر من قعر جهنم ذاتها.

 

لا، وألف لا، للاستمرار بهرطقة شعار "لبنان سيكون أخر دولة توقع معاهدة صلح مع إسرائيل".

 

لماذا نقول هذا؟ لأن كل الأطراف العربية علناً أو بالسر أو بالتمويه قد صالحت الدولة العبرية واعترفت بشرعيتها، وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني، وصاحبة الشأن الأول، وذلك من خلال اتفاقية أوسلو.

 

بعض هذه الدول ومنهم مصر والأردن والمغرب يقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع دولة إسرائيل، والبعض الآخر يتبع النمط القطري أي مكاتب وعلاقات واستيراد وتصدير وود وتبادل خبرات من مخابراتية وغيرها.

 

وها هم جماعة النظام السوري البعثي القرداحي، نظام الممانعة الكاذبة يوسطون، وبالعلن هذه المرة، التركي والأميركي والمصري والقطري والأوربي والروسي لإبرام اتفاقية سلام مع عدوهم الوهمي، مقابل ضمان استمرارهم في السلطة، علماً أنهم لم يقاوموا لاسترداد جولانهم المحتل منذ 1967 ولم يطلقوا رصاصة "مقاومة" واحدة ، فيما هم يحللون بكفر ووقاحة الشياطين هذه المقاومة عندنا بدماء شبابنا وأطفالنا وشيوخنا، وعلى حساب أمننا وسلمنا ولقمة عيشنا ووحدتنا وكياننا.

 

نعم للتفاوض اللبناني العلني والهادف مع إسرائيل وفوراً.

 

هذا التفاوض في حال كان جاداً وشجاعاً وتحت رعاية دولية وبرضى إقليمي، قد ينهي كل هرطقات حزب الله من مقاومة وتحرير وممانعة وألوهية سلاح.

 

يا حكام وسياسي ونواب ومرجعيات وأحزاب لبنان لا تضيعوا هذه الفرصة، ولا ترضخوا لإرهاب حزب الله وسوريا ومن لف لفهما، وإياكم أن تتراجعوا أمام فتاوى التحليل والتحريم على قاعدة أن ما هو محلل للسوري والإيراني والقطري وغيرهم محرم علينا نحن اللبنانيين.

 

فالجميع في الشرق العربي فاوض ويفاوض إسرائيل منذ سنين، والكل يعترف بشرعيتها ويقيم العلاقات معها مباشرة أو مواربة.

ولكم في ما تم من صفقة تبادل أسرى وأشلاء بينها وبين حزب الله الأسبوع الماضي دون علم الدولة اللبنانية خير حافز للاستجابة لطلب السيد أولمرت والدخول مع بلاده في مفاوضات سريعة وجادة تنهي حال "الساحة" المفروضة على لبناننا وأهلنا منذ سنة 1975.

 

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

تورنتو/كندا في 11 حزيران 2008