حكومة الرئيس السنيورة والمعايير المتناقضة

الياس بجاني

الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

الرئيس فؤاد السنيورة، ورغم كل ما واجهه من صعاب، وما تحمله من أثقال، وما أصابه من اتهامات، وما صُوِّبَ نحوه من سهام إيرانية وسورية مباشرة ومن خلال فريق مرتزقتهما والصنوج عندنا، التي في مقدمها جنرال الرابية الضال والجاحد، وحزب ولاية الفقيه، وصلت مراراً كثيرة إلى حد الخيانة والتآمر، نرى السنيورة هذا أحيانا ومثل الكثيرين من "أقرانه" لا يزال أسير عقلية الستينات "الناصرية" التي كانت تنادي في حينه برمي إسرائيل في البحر.

 

ومن أهم أعراض هذه العقلية "الغابرة" عارض التغاضي والتعامي عن كل ما هو منطق وعقل وقوانين وشرائع واتفاقات دولية وحقائق وصداقات، عندما يتعلق الأمر بما يسمى هرطقةً "العداء" لإسرائيل. هنا يغيب العقل ومعه البصر والبصيرة وتحل مكانهم ثقافة المزايدة الكلامية العكاظية "الفارغة".

 

فقد سمعنا على سبيل المثال لا الحصر الرئيس السنيورة ينتقد بعنف أميركا بسبب تزويدها إسرائيل بالسلاح والمال، وواشنطن كما يعلم القاصي والداني هي حليفته الأساس والداعمة الأولى لحكومته في وجه العربدة السورية وخطر سلاح دويلة حزب الله ومشروع ولاية الفقيه الإيراني. كما رأيناه مراراً ينفعل ويطالب بتقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن كلما تاه راعي لبناني ودخل إسرائيل واعتقل هناك، أو أقدمت هذه الأخيرة على أي عمل عسكري، ولو بسيط على الحدود بين البلدين.

 

لا ضرورة هنا لتذكير من يهمهم الأمر أن مصر والأردن والعديد من الدول العربية تصالحوا مع الدولة العبرية ويتبادلون معها ليس فقط العلاقات الدبلوماسية، بل التجارية وحتى المخابراتية، كما أن القياديين الإسرائيليين يُستقبلون رسمياً وعلناً في الكثير من الدول العربية. المؤسف هنا أن الرئيس السنيورة يزايد إسرائيلياً في أحيان كثيرة على كل هذه الدول.

 

الرئيس السنيورة غالباً ما يفقد بوصلة حقيقة حقبة سنة الـ 2008 ويخرج من أطر كل القرارات الدولية وتحديداً الـ 1559 و1701، ويتفلت من ضوابط اتفاق الطائف ومن بنوده المتعلقة باتفاقية الهدنة وتجريد كل الميليشيات بمن فيها حزب الله من السلاح وحصره بقوى الدولة الشرعية، وهو يرتد أحياناً كثيرة إلى تلك الحقبة "الناصرية" بكل ما فيها من مزايدات كلامية كان ملِكها ومبتكرها الإعلامي المصري أحمد سعيد، والأمثلة هنا كثير جداً، وكنا اشرنا في رسالة مفتوحة له مؤخراً إلى هرطقة ربطه مصير مزارع شبعا بالقرار الدولي 425.

 

كما أن الرئيس السنيورة مثله مثل الغالبية من قوى 14 آذار، بمناسبة ومن دون مناسبة، يدعون أن حزب الله حرر الجنوب سنة 2000، ويوجهون له الشكر المصطنع والكاذب، علما أنهم جميعاً يعرفون تمام المعرفة كما يعرف كل اللبنانيين وفي مقدمهم جنرال الرابية "الإلهي" أن حزب الله لم يحرر الجنوب سنة 2000 .

 

نُذكر وبوخز ضميري موجع كل السياديين المُضللين الذين لا يزالون رهائن طوعيين وغنميين لشعارات الجنرال عون ووعوده والعهود، تلك التي نحرها جميعاً في ورقة تفاهمه مع حزب الله، ومن ثم قدمها مجاناً إلى حكام الشقيقة الشقية كرمى لكرسي بعبدا وللقب فخامة الرئيس.

 

نذكرهم جميعاً أن عون قال سنة 2000 ما حرفيته: ("حزب الله لم يحرر الجنوب، بل أخر تحريره 14 سنة. وهو إن كان حرره، فحرره من أهله، لأن هؤلاء يتواجدون في كل أنحاء العالم إلا في الجنوب"). كما أن عون اعتبر يومها ما سُمي نشوة تحرير الجنوب بنشوة المدمنين على المخدرات، مصراً على رفضه المشاركة بتلك النشوة، واعتبر في مقالة له "أن خطاب فقر البطون وقطع الأرقاب الذي هدد به السيد حسن نصرالله أهل الجنوب، هو من دفع بهؤلاء إلى اللجوء إلى إسرائيل خوفاً على حياهم وحياة عيالهم".

 

ننتقد الرئيس السنيورة ونحن كمغتربين ناشطين نؤيده ونؤيد حكومته، لأننا نؤمن بالنقد البناء وبمبدأ الشهادة للحق. من هنا نسأل لماذا لم يطالب السنيورة بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد الحكومة السورية على خلفية قتل قواها العسكرية (الهجانة) طفلا لبنانياً دون أي مبرر أو سبب؟ نسأل لماذا السكوت القاتل والمخجل على هذه الجريمة السورية؟ ونناشده التقدم بالشكوى فوراً.

 

هذا وكانت وكالا ت الأنباء ووسائل الإعلام ومن ضمنها موقع نهارنت الألكتروني قد أوردت في 20 شباط 2008 هذا النبأ: ("مقتل فتى لبناني برصاص الهجانة السورية عند الحدود الشمالية: قتل فتى لبناني في الـ 14 من العمر الثلاثاء برصاص الهجانة السورية قرب الحدود الشمالية بين لبنان وسوريا حسب ما أفاد مصدر أمني لبناني مضيفا أن التحقيقات جارية لمعرفة السبب. وأوضح المصدر لوكالة فرانس برس أن عباس عباس (14 عاما) من قرية النورية الحدودية قتل بعد ظهر الثلاثاء برصاص الهجانة السورية وهو على الضفة اللبنانية للنهر الكبير الفاصل بين البلدين. وأضاف التحقيقات جارية لمعرفة الأسباب لافتا ً إلى أن المنطقة شهدت قبل ظهر الثلاثاء إطلاق نار من المصدر نفسه على مهربين بين البلدين. وأفاد شهود من قرية النورية أن عباس كان يرعى الغنم مع ابن عمته عندما أصيب برصاص الهجانة السورية وتمّ نقله إلى أحد مستشفيات المنطقة حيث توفي متأثرا ً بجروحه")

 

 للرئيس السنيورة ولغيره من القيادات اللبنانية السيادية في ثورة الأرز نقول بمحبة: كفاكم ذمية وتقية وعكاظية حول كل ما يتعلق بدور حزب الله التحريري الوهمي الكاذب والمركب سورياً وإيرانياً. اشهدوا للحقيقة، الحقيقة تحرركم. سموا الأشياء بأسمائها دون عقد ومزايدات، والأهم تحرروا من عقدة الناصرية التي تسببت بهزيمة مدوية لكل الدول العربية.

 

ولجميع أهل السياسة في لبنان موالين ومعارضين نقول: كفى تكرار مقولة "إن لبنان سيكون أخر دولة عربية تعترف بإسرائيل. لماذا، لأنه وبالواقع المعاش والملوس، كل هذه الدول، دون استثناء، وفي مقدمها الشقيقة الشقية سوريا، قد اعترفوا إما مباشرة أو مواربة بإسرائيل ولم يبقى إلا لبنان. فكفى بربكم مزايدات.

 

عنوان كاتب المقال الألكترونيphoenicia@hotmail.com

 

كندا/تورنتو في 21 شباط 2008