قراءة في ايجابيات قمة العرب الدمشقية

بقلم/الياس بجاني*

 

أفاض بشكل متناقض ومتعارض مؤيدو ومعارضو قمة العرب الدمشقية في قراءة نتائجها وانجازاتها. ففي حين اعتبر قادة ثورة الأرز والسياديون في لبنان ومرجعيات المحور العربي المعتدل أنها كانت وبامتياز قمة الفشل والخيبة والضياع والدجل المنظم، رأى فيها جماعة إيران وسوريا عندنا وفي مقدمهم جنرال الرابية الضال فتحاً "اسدياً" كبيراً، ونجاحاً فارسياً "نجادياً" منقطع النظير، وتحسروا في الوقت عينه وبغصة على غياب حكومة لبنان عنها، وحزنوا حتى الكآبة على إضاعتها فرصة ذهبية كانت ستقدمها لها الحكومة السورية، التي وكما أعلن نائب وزير خارجيتها المقداد إنها لا تحقد ولا تنتقم، بل تعمل بتفاني وتجرد وحضارة خدمة للمصالح والأهداف العربية العليا!! يا إلهي ما هذه الطوباوية!!

 

أما أجمل ما قيل خلال تلك القمة "الفذة" عن لبنان فهو الكلام السوري على كافة المستويات وخلاصته أن الشقيقة "الشقية" لا تتدخل في شؤون لبنان وهي مع كل ما يتوافق ويتفق عليه الإخوة اللبنانيون، واعتبر الرئيس الأسد في هذا السياق "التقوي" أن هناك ضغوطات كبيرة تمارس على بلاده لتتدخل لكنها ترفض وتمانع بإباء.

 

عجيب أمر الأخوة السوريين، والأعجب هو أمر مفهومهم الشاذ والوهمي لهذه الأخوة القاتلة، التي هي بالواقع المعاش أسوأ بكثير من أخوة قايين لهابيل.

 

إن المضحك والمبكي في آن هي أساليب مخاطبة حكام سوريا المجتمعين الدولي والإقليمي التي تميزت باستغباء ذكاء وذاكرة وعلم ومعلومات هؤلاء، كما بالتعامي الكلي عن واقع حال سوريا المزري لجهة الحريات والاقتصاد والحقوق والديموقراطية، والأهم التغاضي الانتقائي عن دورهم ودور مخابراتهم الفاقع في تفقيس وتصدير واحتضان كل جماعات الإجرام والإرهاب والأصولية.

 

حكام البعث السوري يتعاملون مع المجتمعين الدولي والإقليمي كما يتعاملون مع شعبهم المقهور والمكبوت، فيكذبون ويكذبون وبوقاحة متناهية ومقززة دون أن يرمش لهم جفن. كيف لا وعقولهم المرِّيضة وضمائرهم المخدرة توهمهم أن الكل في العالم دولاً وشعوب كشعبهم المسكين الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا طبقاً لإرشاداتهم وتوجيهاتهم والويل وثم الويل لمن يخالف ويعصى، والسجون والمعتقلات والمقابر الجماعية المنتشرة في كافة محافظات الشقيقة خير دليل على وحشيتهم وإجرامهم المنهجي.

 

إلا أنه ومع شقاوة حكام الشقيقة المكشوفة والمضحكة والمسرحية، ومع كل شطارتهم التي لا تتخطى سقف الهزل ، ورغم كل الشوائب والعثرات والخيبات التي رافقت قمة العرب الدمشقية فقد تميز هذا التجمع العجيب والغريب ببعض الإيجابيات أقله في نظرنا، وهي:

 

*أكدت القمة ما قاله اللبنانيون الأحرار من أن التحالف السوري مع إيران الذي بدأ في مطلع الثمانينات، هو أهم بكثير لحكام دمشق من موقعهم العربي وأن القرار السوري السياسي والاستراتيجي لم يعد في قلب دمشق، بل أصبح يصاغ من وسط طهران‏.‏‏ وبالتالي سورية أصبحت داعمة لمشروع إقليمي ليس للعرب مكان فيه‏. مشروع لا يراعي حقوق العرب أو مصالحهم، بقدر ما يراعي طموحات إيران وتمدد نفوذها وتغلغلها في المنطقة.

 

*انفتاح عربي على المحتلين لأرضه تميز بمشاركة إيران الفارسية والخمينية الفاعلة عبر وزير خارجيتها الذي تحدى العرب في عقر دارهم ومن عاصمة الثقافة العربية معلناً وبوقاحة أن الجزر الثلاثة التي تحتلها إيران في الخليج العربي هي إيرانية وليست عربية (جزر طنب الكبرى - طنب الصغرى - أبو موسى

وكانت إيران احتلتها من الإمارات العربية في عهد الشاه).

 

*الرئيس السوري، رئيس الدولة المضيفة لم يتطرق لأمر احتلال الجزر هذا في خطابه، ولا قام بالرد على الادعاء الإيراني الفج. وبالتالي فإنه واستناداً على قاعدتي الانفتاح والتسامح اللتين تميزت بهما قمة العرب الدمشقية فلن يكون أمراً مستغرباً أن تشارك إسرائيل في القمة العربية القادمة التي ستعقد في قطر، ولن يكون مستغرباً أن يتنازل ممثل حركة حماس عن القدس، علماً أن قادة إسرائيليون كبار وعلى رأسهم شمعون بيراس رئيس الدولة العبرية الحالي زاروا مرات عدة قطر وحضروا فيها مؤتمرات واستقبلوا من قبل حكامها استقبالات رسمية.

 

*سكوت لافت، ولكنه مفهوم لأُخوة الزعيم الليبي معمر القذافي المستجدة من قِبل حركة أمل وحزب الله تجلت بعدم الاعتراض على حضوره إلى دمشق رغم أنه المسؤول في نظرهما عن تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه،  علماً أنه توجد مذكرة توقيف حديثة صادرة عن القضاء اللبناني باستدعاء القذافي إلى التحقيق في قضية التغييب هذه.  سلوك أمل وحزب الله المنضبط هو طبعاً قمة في الانفتاح والتسامح نتمنى أن يستمر وأن لا يقتصرً فقط على مضامين فرمان دمشقي -إيراني قضى بموقفهما الصامت والقاتل، ولو على مضض.

نسأل بسذاجة، وربما بغباء أيضاً، لماذا لم يطلب الفريقين (أمل وحزب الله) من إيران مقاطعة القمة بسبب مشاركة القذافي فيها، ولماذا  صمتا عن استقبال سوريا له دون حتى كلمة اعتراض ولو لرفع العتب، أو لماذا لم يطلبا ولو شكلياً من الشقيقة اعتقاله وتسليمه إلى القضاء اللبناني على قاعدة ومفهوم الانتصارات الإلهية العكاظية المنسلخة عن الواقع؟

 

*الأكثر تسامحاً وحضارة كان موقف ممثلي دول الخليج العربي الذي شكك القذافي بأصول شعوبهم العربية حيث قال إن "ثمانين في المئة منهم إيرانيون"،  دون أن ينبري أحدهم ولو لتصحيح معلوماته التاريخية والعرقية وهو المعروف أنه من أصول بربرية. في حين إمتدح رئيس القمة بشار الأسد "صراحة وشفافية" خطاب العقيد الليبي الذي جاء في افتتاح قمة تعقد من دون حضور جميع الملوك العرب وعدد من القادة الكبار.

 

*بناء علي هذه الايجابيات اللافتة نطالب الأخوة العرب الكف عن الاستخفاف بحضارات وتراث الشعوب الأخرى التي تعيش بينهم  كالأقباط والبربر والأكراد والسريان والأشوريين والأرمن والاعتراف بحق الآخر في هذا الشرق بالحياة الحرة والكريمة والمتساوية

 

*أما دور الموارنة الذي كان دوماً يُمثل داخل الجامعة العربية التميز ولو بخجل، فقد تم خزفه خلال هذه القمة بفضل انجازات "ورقة تفاهم وتفهم" جنرال الرابية الباهرة، ونتيجةً مباشرة لدوره التبعي والإستتباعي الغريب عن ممارسات وأخلاقيات الزعامات المارونية التاريخية. 

 

*يبقى أن كل فصول التذاكي والمراوغة والإسقاط والتقية والذمية التي مارسها حكام الشقيقة، معطوفة على تلطيهم الصبياني المكشوف وراء قناع الممانعة وما يسمى زوراً مقاومة لن يغير من الواقع اللبناني الاستقلالي والسيادي بشيء.

 

نقول لهم بإيمان وثقة إنه ورغم كل المآسي والصعاب من اغتيالات وترهيب وإفقار التي يعرضون لها أهلنا الأحرار والأبطال مباشرة أو عن طريق مرتزقتهم من الإلهيين والضالين والغارقين بالمال الحلال والنظيف، نقول لهم أن وثورة الأرز مستمرة حتى تحرير لبنان من كل رجسهم وكفرهم، وان غداً لناظره قريب.

 

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

تورنتو/كندا في 3 نيسان 2008

عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com