الستالينيون لا يتغيرون ولا يتبدلون وكذلك عون

بقلم/الياس بجاني*

 

كانت اندلعت ثورة اعتراضات داخل تيار عون بعد أن رضخ وقبل صاغراً تعين سوريا لإثنين من وزرائه الثلاثة في حكومة الرئيس الحريري، وسادت بين كوادره في حينه موجه من الإحباط والسخط بنتيجة تبجح عون علنية، وإهانته الكفاءات في تياره وقوله بفظاظة إن تخصصات من تم اختيارهم للوزارة من الخارج غير متوفرة لدى أعضاء تياره. ومما فاقم الإهانة أكثر انه طلب من المحتجين إرسال سيرَّهم الذاتية له بأسلوب استهزائي وتهكمي مذل.

 

منذ ذلك اليوم قلنا عن معرفة وثقة وخبرة شخصية إن ثورة المحتجين لن تؤدي إلى أية نتيجة لأن عون دكتاتوري بمنطقه، وهتلري بتفكيره، وستاليني بممارساته، وعسكري بفرماناته، وملكي في كل يخص الإرث والتوريث. وطبقاً لهذه الرزمة الكبيرة من التناقضات الفكرية والعملانية غير السوية فمن ليس معه على عماها "وطميشي" وقطش قريعة" فهو ضده. وأكدنا يومها أن موجة الاعتراضات مهما كبرت وتمددت فهي محكومة بالفشل مسبقاً والمعترضون في النهاية إما أن ينسحبوا أو يرضخوا.

 

"ويلي مش عاجبو يفل"، قالها عون في كل مرة واجهه اعتراض داخلي، وقالها بعد تشكيل الحكومة بوجه المعترضين بمن فيهم اللواء عصام أبو جمرة، وسوف يستمر بتردادها بصوت عال دون خجل أو وجل لأن ما يُسمى "تيار وطني" لا هو تنظيم، ولا هو حزب، ولا هو مؤسسة، ولا هو حتى شركة، وإنما مجموعة من المناصرين الذين يعبدون طوعاً زعيماً أوحد وهم طوعاً أيضاً قابلين أن يخدموا هذا الزعيم تحت مظلة أفراد عائلته، ونقطة على سطر الحقيقة.

 

وكما توقعنا انتهت الاعتراضات دون أي تغيير أو تبديل لأن عون داخل تياره هو في مصاف القديسين المطوبين، والزعيم الأوحد، ونابليون لبنان، وديغول الرابية، والعبقري الفذ، وكرة النار التي تحرق كل من يعترض ولو همساً.

 

من هنا فإن كل من يعارض عون إما أن يخرج ويصبح عدواً ومتطاولاً، "ومين هوي، وشو معو، وشو بيقدر يعمل، وشو فهمو، وهيدا عم يقبض من الحريري وجعجع"، أو أن يرضخ ويقبل بالتبعية "على عماها" وينفذ دون اعتراض مهما كانت المهمات، ويرتضي بصمت "ابو الهول" بكل التبدلات والتنقلات السياسية المتنوعة، كما بغض الطرف على نحر الثوابت التي جعلها عجينة في يده يشكلها طبقاً للاحتياجات والظروف ومستلزمات توريث الصهر جبران، إضافة إلى بث سموم الفرقة داخل المجتمع المسيحي ونبش القبور ومهاجمة القوات اللبنانية والتطاول على مرجعية بكركي وعلى غبطة البطريرك صفير.

 

يوم الخميس في 21 كانون الثاني 2010 أعلن عون، لجان التيار الوطني الحر مؤكداً أن "لا شيء ثابتاً لا في الحياة ولا في الأحزاب"، ولافتاُ إلى أنّ "على من سبقه قطار التعيينات هذه المرة، أن يعمل بلا موقع، لأن القضية لا تفتش عن مواقع"، مشيراً إلى أنّ "مشروع المجتمع الجديد هو أمانة للمسؤولين الجدد كما للّبنانيين"، ورأى أنّ "التحدي هو أن ينقل المسؤولون حزبهم من الطفولة إلى سن الحسبة، من دون أن يدخلوه في متاهات المراهقة".

 

ردة فعل اللواء أبو جمرة كما جاء في وكالة الأنباء المركزية  (22 كانون الثاني/2010) كانت شعور بالخيبة: "ما أعلنه العماد عون في مؤتمره الصحافي بالامس هو محاولة تخدير بعض المعترضين لاحتوائهم، فالمطالبة باصلاحات جدية داخل التيار من قبل قياديين ناشطين كثيرين، انتهت بتأليف لجان هامشية مؤقتة للمناطق والانتخابات البلدية من دون الحق بالنظر الى فوق، اذ كيف ومتى يتم انتخاب رئيس الحزب ونواب الرئيس من المنتسبين وفقا للنظام، وكيف ومتى يتم تأليف المكتب السياسي والهيئة التنفيذية والمجلس الوطني؟ وتاليا أين القيادة ومتى تتألف؟ ومن يشارك رسميا وبمسؤولية في صنع القرار؟ ومن يحاسب من؟ وكيف؟ ومن يضمن عدم اختيار مرشحين للبلديات والمخاتير ولاحقا للنيابة من خارج التيار بقرار متفرد ولأسباب تبقى مبهمة كما حصل باختيار الوزراء؟ وختم:" اليوم وقبل الغد التيار الوطني الحر بحاجة الى قيادة متكاملة يجب تأليفها بملء مراكز الهيكيلية الشاغرة بالانتخاب أو بالتعيين للمشاركة بصنع القرارات ومتابعة تنفيذها بمسؤولية وفقاً لما نص عليه النظام."

 

في هذه الأثناء نقلت صحيفة الديار معلومات أشارت إلى أن عون رفض دعوة الوزير أبو جمرة إلى مأدبة في الرابية بناء على طلب بعض أركانه لإنهاء الخلاف معه قائلا: "أنا لا أدعو ولا استدعي". ولفتت الديار إلى أنه يسعى هؤلاء لدى أبو جمرة لإلغاء المؤتمر الصحافي الذي ينوي فيه شرح كل الملابسات التي أحاطت خلافه مع الجنرال والمزمع عقده في الأسبوع المقبل (بيروت اوبزارفر 22 كانون الثاني/2010)

 

وفي الرابع من شهر كانون الأول الفائت كان أجرى موقع ليبانون فايلز مقابلة مع اللواء عصام أبو جمرة علق فيها على زيارة عون لبكركي وقال: "إن ما رأيناه كان مصافحة وليس مصارحة أو مصالحة وأشار إلى تراجع شعبية تيار عون"

 

مرة أخرى نؤكد أن لا شيء سيسوى داخل "تيار عون" والأمور ستبقى على قديمها وقد تتفاقم أكثر في التفسخ التفكك والضياع والشخصنة لأن المشكلة الأساسية ليست تنظيمية ولا متعلقة بالكوادر ولا بالديموقراطية وبالهيكلية، ولكنهما بامتياز عضوية وتتعلق بالخيارات السياسية والوطنية والأخلاقية والقيمية وبالتحالفات غير اللبنانية المناقضة كلياً لكل ما هو لبناني هوية وتاريخاً وثوابت، ولكل ما هو ماروني وحقوقي وسيادي وحريات. إن مفاهيم عون موروبة وميزاجية ولا تمت بصلة للديموقراطية ولا للأسس التي قام عليها لبنان الوطن والهوية والرسالة. ومن هنا فالج لا تعالج.

 

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 24 كانون الثاني/2010