البطريرك الراعي: خير خلف لخير سلف

بقلم/الياس بجاني*

 

انعم الروح القدس اليوم على الموارنة المقيمين والمنتشرين في أصقاع الدنيا الأربعة وعلى وطن الأرز المتجذر في التاريخ والقداسة، بطريركا جديداً هو خادم مذبح المسيح ابن بلدة حملايا البار الراهب المكرس بشارة الراعي ليكمل رسالة سلفه غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الكلي الطوبى.

 

رسالة سيد بكركي البطريرك الجديد عنوانها الأساس "محبة وشراكة"، ومحتواها وجوهرها الرجاء والسلام والأخوة والتسامح والحقوق والحرية والتعايش واحترام كرامة الإنسان.

 

فلنصلِ ونتضرع بخشوع من اجل نجاحه في حمل رسالة البشارة التي حملها من قبله بتقوى وشجاعة وتجرد وأمانة كل من ارتضى أن يحمل صليب السيد المسيح ويمشي على خطاه سالكاً طريق الجلجلة متحملاً مثله الألم والعذاب والإهانة.

 

لم يكن إعطاء مجد لبنان للصرح البطريركي الماروني ولسيده البطريرك عملاً عبثياً، ولا هو جاء من فراغ، بل بتدبير إلهي مشمول بنعم وبركات السماء، فهذا الصرح هو الصخرة البطرسية المتجذرة في أرض لبنان القداسة والشهداء والرسالة التي أشيد على صخورها الإيمانية الصلبة هيكل الكيان اللبناني واستقلاله وحريته وثقافة التعايش وقبول الآخر.

 

بمسؤولية وجدارة وتقوى حمى الصرح وبطاركته الـ 76 مجد لبنان المسؤولية والأمانة وصانوه بضمير حي وعدل ومساواة واستشهاد وتقوى ومخافة شريعة الله في كل أعمالهم وأقوالهم وعلاقاتهم،  ولم يحدوا في يوم من الأيام قيد أنملة عن الثوابت البطرسية اللبنانية والمارونية التي عمادها الصلاة والرجاء والشراكة والمحبة والتسامح والتواضع والعطاء والصلابة والثبات والعناد والحكمة.

 

نؤمن دون شك بأن الروح القدس هو الذي اختار خادمه الأمين بشارة الراعي ابن بلدة حملايا المتنية التي أعطت الكنيسة الجامعة القديسة رفقا، اختاره ليكون البطريرك 77 في سلسلة البطاركة الموارنة الأبرار. ونؤمن أيضاً بأن غبطة البطريرك الراعي سيكمل مسيرة كل البطاركة الذين سبقوه، وسوف يكون أميناً على الوزنات التي أوكل عليها، كما سيكون راعياً صالحاً لرعيته التي اختير لرعايتها.

 

إن طقوس تولية البطريرك الراعي اليوم في الصرح البطريركي هي مثال يقتدى به في التواضع والبساطة والزهد والتجرد وعدم عبادة مقتنيات الأرض الفانية، وأيضاً في نعمة الخضوع لمشيئة الله والقبول بها بفرح ورضى كلي، حيث أن صاحب العرش والصولجان والسلطة البطريرك صفير تنازل طوعاً عن كل مسؤولياته وسلمها راضياً ومرضياًً إلى خلفه البطريرك الراعي بعد أن قبّل يده وأعلن الطاعة له مع كل أحبار الكنيسة المارونية، علماً أن القانون الكنسي الماروني يعطيه الحق في البقاء بطريركاً إلى حين مماته.

 

أما العلامة الفارقة والمميزة والرسالة الحضارية والإيمانية التي تجسدت اليوم خلال حفل التولية في صرح بكركي فكانت في تواجد لافت لكل قيادات وطن الأرز من دينيين وعلمانيين ومسؤولين ومن كافة الطوائف والمذاهب وفي مشاركتهم حفل التولية وحضورهم القداس الإلهي مع أحبار الكنيسة الجامعة وجموع المؤمنين. هذا عمل يُفتخر به وهو لا يحدث في غير لبنان وواجبنا كأصحاب رسالة وأبناء وطن الرسالة أن ننقله بأمانة وعلم وشجاعة إلى دول الجوار التي تفتك في كياناتها ومجتمعاتها العنصرية والكراهية وثقافة الموت.

 

شكراً للرب على نعمة تولية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي راعياً على الموارنة ومؤتمناً على مجد لبنان وعلى رسالته المقدسة، وشكراً للبطريرك الجليل مار نصرالله بطرس صفير الذي جسد باستقالته الطوعية التواضع والزهد والمحبة والطاعة بأبهى صورها الإيمانية.

 

مجد لبنان أعطي لبكركي وهي كانت وستبقى أمينة عليه.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 25 آذار/2011