العماد عون حول مؤيده إلى رهائن

بقلم/الياس بجاني*

 

لم يعد بالإمكان مقاربة، ومقارعة، وفهم خيارات وتموضع وخطاب وتقلبات العماد ميشال عون السياسية والنفسية بالحجة والثوابت والمعقول والمقبول عقلانياً ضمن أية  أطر من معايير الصح والغلط المعترف بها علمياً ومجتمعياً، كونه قد أخرج نفسه بالكامل، قولاً وفعلا من كل ما هو منطق، وعقلانية، وتاريخ، وثوابت، ومصداقية، وقواعد تتعلق بقبول الآخر.

 

لقد بنى العماد لنفسه قصوراً فسيحة من الأوهام وأحلام اليقظة والسراب، سجن نفسه بداخلها، وأغلق كل أبوابها والنوافذ، وانسلخ عن كل ما هو محسوس وملموس ومعاش، فلم يعد يسمع إلا صوته، ولم يعد يرى غير ذاته، ولم يعد يعترف بغيره زعيماً وقائداً ومرشداً!!

 

والكارثة تكمن في أنه فعلاً نجح إلى حد كبير بأخذ آلاف الشباب من مؤيديه رهائن بكل ما في المصطلح من معنى ومحتوى، وقد سجنهم معه داخل نفس القصور قاتلاً فيهم كل قدرات التمييز بين القضية والشخص، ومسطحاً فكرهم لجهة رؤية وقراءة الأولويات كافة، حتى باتوا وعن غير وعي يدورون في فلكه، ويقدسون شخصه حتى العبادة، مبررين طواعيتهم هذه بقولهم: "هو لا يخطئ ويعرف ما لا نعرفه ولم يخذلنا فيما مضى."

 

من هنا لم يعد بإمكان الشباب الرهائن هؤلاء مناقشة الآخرين ومقارعتهم في أي موضوع تحالفي، سياسي أو وطني، وأصبح سلاحهم لحماية الذات من المواجهة العقلانية والمنطقية هو الهروب إلى الأمام، إما بالمقاطعة، أو بتوجيه الاتهامات الاعتباطية. فهم يستغربون جداً أي انتقاد لممارسات وخيارات العماد، وتلقائياً يقولون لمحدثهم: "كيف تسمح لنفسك أن تقول ما تقوله، ومن أذن لك بذلك، ومن أعطاك الحق، ومين أنت، "ما بتجي لعند زنار العماد".

 

أحدهم وهو كاتب وشاعر وإعلامي مميز، كان فيما مضى، أي في الأيام الخوالي مناضلا مشهوداً بمواقفه الوطنية، كتب لي محتجاً بغضب وانفعال على انتقادي للعماد في مقالة لي، قائلاً: "الغبرة يلي على صباط العماد عون أشرف من كل العاملين وطنجية، ومقالاتك فيروس عم يوسخ الكومبيوتر تبعي". وطبعاً الرجل الإعلامي الكبير هذا لم يحاول مناقشتي فيما كتبت لا تصحيحاً ولا نقضاً ولا توضيحاً.

 

هم يتهمون كل من يخالف العماد بأنه خائن وعميل ومرتشي "يقبض" من الحريري والسعودية". للأسف تعلقوا بالشخص وأغفلوا القضية، وعلتهم الأساس تكمن في أنهم غير قادرين حتى الآن على إدراك الحقيقة الساطعة، وهي أن العماد الموجود في الرابية، هو ليس نفس العماد، قائد الجيش الذي أقصاه المحتل السوري بالقوة عن قصر بعيدا، وعاش في المنفى، ورفع شعارات البشير.

 

يتناسون أن الرجل انتقل كلياً إلى القاطع السوري-الإيراني، وأنه نقض علانية كل وعوده وعهوده البشيرية، وانقلب على كل شعاراته الوطنية والسيادية، والأخطر في الأمر أنهم يبررون كل ما يقوم به من أخطاء وخطايا، بأخطاء وخطايا الآخرين، علماً أن هؤلاء عادوا إلى كنف الوطن ويدفعون الدم كفارة عن ماضيهم.

 

هؤلاء الآخرين هم أنفسهم الذي بنى العماد حيثيته السياسية والوطنية على ممارساتهم وتحالفاتهم وطروحاتهم غير الوطنية، ويقولون لك:" شو يعني جعجع وجنبلاط والجميل والحريري أحسن". للأسف لم يعد للقضية اللبنانية الحقة التي حمل العماد يوماً الويتها وجود في قواميسهم، فهم استبدلوها بالشخصنة وبعمليتي التبرير والإسقاط المرضيتين. (Rationalization and projection)

 

هذا وكان رسام الكاريكاتير المعروف بيار صادق قد جسد هذا الواقع الرهائني والسرابي المحزن بقوله: "إن وصية جديدة قد أضيفت إلى الوصايا العشرة، وهي لا تجادل عونياً".

 

أما مشكلة العماد الأكثر تعمية وخطورة فهي توهمه بأنه لا يزال نفس القائد الذي تمكن من خلال رفعه شعارات السيادة والحرية والإستقلال من أن يستقطب غالبية المسيحيين عموماً، والكثيرين أيضاً من أبناء الطوائف اللبنانية الأخرى. هو يتناسى عن سابق تصور وتصميم واقع حاضره السوري-الإيراني، ويخاطب الآخرين كما أنه لا يزال نفس الشخص قبل ورقة تفاهمه وتماهيه مع حزب ولاية الفقيه.

 

يتكلم عن الفساد وهو حالياً حليف لأعتى أربابه، يتكلم عن سلطة الدولة وهو يغطي حزب الله ودويلته ويمنع قيام الدولة، يفاخر بطرحه العلماني وهو مجرد ملحق وتابع لتنظيم أصولي، يهاجم الإقطاعيين وهو يبني اقطاعية جديدة ، يفاخر بالشرعة الدولية وهو يقف ضد القرارات الدولية ويعتبر قوات الأمم المتحدة قوات احتلال، ينتقد العائلات السياسية وهو محاط بالأصهر والأقرباء،  يتهم الآخرين بالعمالة وهو ارتضى أن يستبدل في ورقة تفاهمه مع حزب الله مسمى الاحتلال السوري "بالتجربة التي شابتها الأخطاء"، يتهم الأخرين بتبعيتهم لدول عربية وغربية وهو أمسى ممثلاً في لبنان لحكام دمشق وطهران، يتباهي باحترامه للقضاء وفي نفس الوقت يدافع باستماتة عن الضباط الأربعة، وتطول القائمة وتطول.

 

أما آخر نتعات العماد فجاءت بعد اجتماع كتلته يوم الإثنين الفائت حيث تناول قضية اختطاف المواطن جوزيف صادر وهذا ما قاله حرفياً رداً على سؤال أحد الصحافيين: ("سئل: إلا تعتقد أن بإمكانك المساعدة في قضية اختطاف جوزيف صادر ببعض الاتصالات مع حزب الله كون المنطقة التي اختطف فيها تخضع لسيطرة حزب الله؟ أجاب: في هذا السؤال تأكيد لاتهام.. لا يوجد منطقة تحت سيطرة حزب الله ولا يمكن للأجهزة الأمنية دخولها. فهل منع أي جهاز أمني من مراقبة المنطقة والسهر على أمنها؟ قوى الأمن تدخل إلى كل المناطق وموجودة أينما كان. وعلى افتراض أن ما يوحي به السؤال صحيحا فلا بد من التساؤل لماذا خطفه حزب الله من المطار وليس على طريق صيدا حيث توجد أماكن أكثر مخفية؟ ثم من قال أن الحزب لا يساعد؟ تركنا قوى الأمن تقول ما تريد. فلتبدأ التحقيق حول من يمكن أن يكون على خلاف مع الرجل. هل مع أحد في عمله كون وظيفته حساسة.هناك تحقيق يجب أن يتم.  سئل: هل لديك معلومات في هذا الخصوص؟ أجاب: كلا. لكننا في الحد الأدنى نعرف أن هذا الرجل خطف. وهو يعمل في طيران الشرق الأوسط. فما وظيفته؟ سمعت أنه مسؤول عن بنك المعلومات. هذا كل ما أعرفه.)

 

هل فعلاً يتوهم العماد أن بقوله: "لا يوجد منطقة تحت سيطرة حزب الله، ولا يمكن للأجهزة الأمنية دخولها"، سيغير الواقع المر والمعيب لدويلة الضاحية ويلغيها؟ عيب وألف عيب هذا التحريف الفاضح للحقيقة. أما الواقع الذي يتعامى عنه جنرال الرابية فهو أنه لم يعد قادراً على خداع إلا مؤيديه ومريده، وبالتالي فإن محاولاته اليائسة لتزوير الواقع والحقيقة وإنكار ما هو جلي لكل اللبنانيين، هو أولاً وأخيراً اهانة كبيرة لذكاء من يؤيدونه، واستهتاراً فاضحاً لفكرهم وثقافتهم، واستخفافاً مذلاً لقدرتهم على التمييز.

 

حرام وألف حرام أن يصل وضع هذا الرجل الذي تمكن في يوم من الأيام من أن يحصل على ثقة وأصوات 70% من المسيحيين، إلى هذه الدرك السفلي من الأوهام والتصحر الوطني والسياسي، وحرام حال شباب ضاعوا في الطريق وضلوا، ولم يعد بقدرتهم التمييز بين الشخص والقضية، وبين الحقيقة والخداع.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 19 شباط/2009