ضرورة إسقاط الأنظمة التي ترعى الإرهاب

بقلم/الياس بجاني*

 

إشعيا 33/01: "ويل لك أيها المخرب وأنت لم تخرب، وأيها الناهب ولم ينهبوك، حين تنتهي من التخريب تخرب، وحين تفرغ من النهب ينهبونك"

 

المؤمن بيوم الحساب الأخير وبأن الله هو القاضي العادل والحاكم والمحاسب والمنتقم لا يفرح للقتل كائن من كان القتيل، ولا يعمل له أو يشجعه، ولا يهلل لحدوثه تحت أي ظرف كون ثقافة الإيمان مبنية على قاعدتي المحبة والتسامح، وعلى مبدأ الخضوع لمشيئة وشرعة الخالق، ومعتمدة في جوهرها على قول الكتاب المقدس إن الله هو المنتقم (رومية 12 : 18): "إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب، لأنه مكتوب لي النقمة إنا أجازي يقول الرب، فان جاع عدوك فاطعمه. وان عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه، لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير".

 

انطلاقاً من هذا المفهوم الإيماني نرى أن تصفية الإرهابي الأصولي بامتياز أسامة بن لادن جاءت تنفيذاً لأحكام قانونية صادرة بحقه في أميركا على خلفية تخطيطه وتمويله وإشرافه الشخصي على قتل نحو ثلاثة آلاف شخص معظمهم من الأميركيين وبينهم 24 كندياً في هجمات 11 أيلول عام 2001 التي استهدفت عمق الولايات المتحدة واعتُبرت أكبر مجزرة يتعرض لها الشعب الأميركي منذ الغارة الجوية المباغتة التي نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 كانون الأول سنة 1941 على الأسطول الأمريكي في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي والتي أرغمت الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية.

 

مما لا شك فيه أن القاتل على المستوى الفكري والقيادي يختار نمط حياته العدائي والإجرامي ويتخلى طوعاً عن كل التزامات القانون ويضرب عرض الحائط بالقيم والأخلاق والحقوق والواجبات، وبالتالي يشرّع التعامل معه بنفس الأسلوب الذي هو قصاص القتل عاجلاً أم أجلاً عملاً بمبدأ: "بشر القاتل بالقتل لو بعد حين".

 

إن قتل بن لادن هذا الأصولي الثري من أصل سعودي على أهميته العسكرية والقانونية والنفسية في سياق محاربة الإرهاب الدولي وردع الإرهابيين والأصوليين لا يعني أن ثقافته الأصولية البالية ومفاهيمه الشاذة التي تشرّع قتل الذات من أجل قتل الآخرين قد دُفِنت مع جثته في قاع البحر وبات العالم آمناً.

 

ما يجب عالمياً التركيز عليه من قبل العالم الحر هو أن الإرهاب عمل دول وليس مجرد منظمات وأفراد، مما يعني أن الإرهاب الأصولي باقٍ بعد غياب بن لادن طالما بقيت دول حاضنة للإرهابيين والأصوليين ومستمرة دون أي رادع دولي جدي في استعمالهم خدمة لشرورها وتعدياتها ومشاريعها التوسعية والمذهبية والتدميرية. وفي مقدمة الدول التي ترعى الإرهاب تأتي كل من سوريا وإيران وباكستان واليمن والصومال وقطاع غزه ومصر والعراق ودويلات حزب الله والمخيمات الفلسطينية والمعسكرات السورية في لبنان.

 

بن لادن الأصولي والمجرم الذي سمم عقول الملاين وتسبب بقتل الأبرياء في العديد من الدول، بن لادن هذا وكما أفادت التقارير بعد قتله لم يكن مقيماً في مغارة أو جحر، ولا في الغابات والأدغال أو الجبال، بل براحة وحرية وطمأنينة مع زوجاته وعدد من أولاده ومرافقيه في وسط مدينة أبوت آباد الباكستانية داخل بيت كبير أشاده تحت بصر وسمع السلطات الباكستانية الرسمية والأمنية وأحاطه بأسوار عالية وزوده بكل مستلزمات الدفاع والمراقبة والحراسة وبمختلف وسائل تكنولوجية الاتصالات المتطورة.

 

من اللافت أن هذا البيت لا يبعد سوى عشرات الأمتار فقط عن مقرات عسكرية باكستانية كبيرة، مما يؤكد ودون أدنى شك أن النظام الباكستاني أو بعض أجهزته أو عناصره هو ملاذاً أساسياً ومهماً للإرهابيين والأصوليين وبالتالي فهو يتحمّل المسؤولية عن كل ما تقترفه هذه المنظمات الأصولية من أذى ودمار في كافة أرجاء العالم.

 

من المحزن أنه ومنذ منتصف الخمسينات وحتى يومنا هذا لا يزال الشعب اللبناني من أكثر الشعوب المستهدفة في العالم من قبل الإرهاب بكافة أشكاله، الأصولية، والملحدة، والقومية، وقد كانت سوريا ولا تزال هي مصدر وبؤرة كل أنواع هذا الإرهاب وهي راهناً بالتكافل والتضامن مع نظام الملالي الإيراني تحتضن حركة حماس وحزب الله وعدد كبير من المنظمات الفلسطينية الراديكالية. الاحتضان هذا يشمل القيادة والثقافة والإمساك بالقرار والتجنيد والحماية والرعاية والتمويل والتدريب وكل مهمات التنفيذ.

 

ما يتوجب التركيز عليه عملاً وقولاً وثقافة وإجراءات أمنية على مستوى الأمم المتحدة ودول العالم الحر والمنظمات الحقوقية والقضاء هو أن 90% من كل المنظمات الإرهابية والأصولية والمافياوية في العالم تحتضنها سوريا وإيران اللتين، وتحت بصر وسمع كل دول العالم توظفان هذا الإرهاب المنظم في مهمات إجرامية تزهق الأرواح البريئة التي حرمها الله إلا بالحق، وفي ترويع الآمنين وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات كافة، وخصوصاً العربية، وذلك تحت رايات دينية مموهة وكاذبة متعاميتين عن جوهر القول الكريم: "من قتل نفساً بغير ذنب أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً".

 

للقضاء على الإرهاب بكافة أشكاله يجب أولاً أن تُضرب عسكرياً الأنظمة الحاضنة له، خصوصاً النظامين السوري والإيراني، ويساق للمحاكم الدولية جميع الرسميين والسياسيين ورجال الدين فيهما الذين يتحملون مسؤولية تفقيس الإرهاب ونشر الثقافة الأصولية. 

 

في الخلاصة إن ضرب المنظمات الأصولية والإرهابية وقتل قادتها ومقاتليها ومصادرة أموالهم لا ينهي فاعليتها الإجرامية، ولا يقلل من أخطارها الكبيرة على السلم والاستقرار في العالم. لأن القضاء على الإرهاب يقتضي أولاً وقبل كل شيء استئصال البيئات الحاضنة له، أي الدول التي تنتجه وتحميه وتسوق لثقافته.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

 

06 أيار/2011