إيمان الأعمى ٱبْنُ طِيمَا الشَحَّاذٌ

بقلم/الياس بحاني*

 

"جئت إلى هذا العالم للدينونة، حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون". (يوحنا 09/39)

 

كم بيننا من أفراد وجماعات هم حقيقة عميان بصيرة، وقليلو إيمان، وخائبو رجاء، في حين أن عيونهم من الناحية الصحية سليمة مئة في المائة، غير إن علتهم تكمن في عمى البصيرة وليس عمى البصر، فهم وإن كانت عيونهم متعافية إلا أنها تحجب عن عقولهم ووجدانهم وقلوبهم المحبة فيعشون في ظلام دامس بعيدين عن الله.

 

الأعمى ابن طيما الشحاذ الذي هو موضوع مقالتنا نذكره اليوم في كنائسنا المارونية ونسمي الأحد السادس هذا من الصوم الكبير باسم عجيبة شفائه، (أحد شفاء الأعمى).

يعلمنا الكتاب المقدس أن ابن طيما ولد أعمى ولم يكن يعرف الفرق بين النور والظلام، إلا أنه كان متنوراً في قلبه وضميره وإيمانه، وقوى وعنيد وثابت في رجائه. هذه العجيبة وردت في إنجيل القديس يوحنا 09(/01-41)، وفي إنجيل القدّيس مرقس (10/46-52)، وفي إنجيل القديس متى (20/29-34)

 

العجيبة كما وردت في إنجيل القدّيس مرقس(10/46-52): ووَصَلُوا إِلى أَرِيحا. وبَيْنَمَا يَسُوعُ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحا، هُوَ وتَلامِيذُهُ وجَمْعٌ غَفِير، كَانَ بَرْطِيمَا، أَي ٱبْنُ طِيمَا، وهُوَ شَحَّاذٌ أَعْمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّريق. فلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيّ، بَدَأَ يَصْرُخُ ويَقُول: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».فَٱنْتَهَرَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لِيَسْكُت، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ صُرَاخًا: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».فوَقَفَ يَسُوعُ وقَال: «أُدْعُوه!». فَدَعَوا الأَعْمَى قَائِلِين لَهُ: «ثِقْ وٱنْهَضْ! إِنَّهُ يَدْعُوك». فطَرَحَ الأَعْمَى رِدَاءَهُ، ووَثَبَ وجَاءَ إِلى يَسُوع. فقَالَ لَهُ يَسُوع: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ؟». قالَ لَهُ الأَعْمَى: «رَابُّونِي، أَنْ أُبْصِر!». فقَالَ لَهُ يَسُوع: «إِذْهَبْ! إِيْمَانُكَ خَلَّصَكَ». ولِلْوَقْتِ عَادَ يُبْصِر. ورَاحَ يَتْبَعُ يَسُوعَ في الطَّرِيق".

 

يعطينا انجيل القديس يوحنا (09/08-34) المزيد من التفاصيل التي تبين لنا الإضطهاد والإرهاب اللذين تعرض لهما الأعمى بعد شفائه من أجل أن ينكر ما حصل: "

"فتساءل الجيران والذين عرفوه شحاذا من قبل: أما هو الذي كان يقعد ليستعطي؟ وقال غيرهم: هذا هو. وقال آخرون: لا، بل يشبهه. وكان الرجل نفسه يقول: أنا هو! فقالوا له: وكيف انفتحت عيناك؟ فأجاب: هذا الذي اسمه يسوع جبل طينا ووضعه على عيني وقال لي: إذهب واغتسل في بركة سلوام. فذهبت واغتسلت، فأبصرت. فقالوا له: أين هو؟ قال: لا أعرف. فأخذوا الرجل الذي كان أعمى إلى الفريسيين، وكان اليوم الذي جبل فيه يسوع الطين وفتح عيني الأعمى يوم سبت. فسأل الفريسيون الرجل كيف أبصر، فأجابهم: وضع ذاك الرجل طينا على عيني، فلما غسلتهما أبصرت. فقال بعض الفريسيين: ما هذا الرجل من الله، لأنه لا يراعي السبت. وقال آخرون: كيف يقدر رجل خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع الخلاف بينهم. وقالوا أيضا للأعمى: أنت تقول إنه فتح عينيك، فما رأيك فيه؟ فأجاب: إنه نبي! فما صدق اليهود أن الرجل كان أعمى فأبصر، فاستدعوا والديه وسألوهما: أهذا هو ابنكما الذي ولد أعمى كما تقولان؟ فكيف يبصر الآن؟ فأجاب والداه: نحن نعرف أن هذا ابننا، وأنه ولد أعمى. أما كيف يبصر الآن، فلا نعلم، ولا نعرف من فتح عينيه. إسألوه وهو يجيبكم عن نفسه، لأنه بلغ سن الرشد. قال والداه هذا لخوفهما من اليهود، لأن هؤلاء اتفقوا على أن يطردوا من المجمع كل من يعترف بأن يسوع هو المسيح. فلذلك قال والداه: إسألوه لأنه بلغ سن الرشد.

وعاد الفريسيون فدعوا الرجل الذي كان أعمى وقالوا له: مجد الله! نحن نعرف أن هذا الرجل خاطئ. فأجاب: أنا لا أعرف إن كان خاطئا، ولكني أعرف أني كنت أعمى والآن أبصر. فقالوا له: ماذا عمل لك؟ وكيف فتح عينيك؟ أجابهم: قلت لكم وما سمعتم لي، فلماذا تريدون أن تسمعوا مرة ثانية؟ أتريدون أنتم أيضا أن تصيروا من تلاميذه؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذه، أما نحن فتلاميذ موسى. نحن نعرف أن الله كلم موسى، أما هذا فلا نعرف من أين هو. فأجابهم الرجل: عجبا كيف يفتح عيني ولا تعرفون من أين هو! نحن نعلم أن الله لا يستجيب للخاطئين، بل لمن يخافه ويعمل بمشيئته. وما سمع أحد يوما أن إنسانا فتح عيني مولود أعمى. ولولا أن هذا الرجل من الله، لما قدر أن يعمل شيئا. فقالوا له: أتعلمنا وأنت كلك مولود في الخطيئة؟ وطردوه من المجمع"

.

رغم أن ٱبْنُ طِيمَا كان أعمى وحاسة النظر عنده تالفة ومعطلة، غير أنه ومن خلال إيمانه وثقته بالله أدرك بعقله وقلبه أنه في حال ذهب إلى المسيح وطلب منه الشفاء فبقدرته أن يشفيه ويعيد له نعمة النظر التي حرم منهما منذ ولادته.

 

عندما اقترب من المسيح تمرد ورفض التقيد بتعليمات وتحذيرات الذين حاولوا منعه من تحقيق غايته فلم يأبه ولم يرتد ورفع صوته عالياً ومدوياً معلناً أن المسيح هو المخلص وأنه قادر على إعادة نظره إن رغب بذلك، وطلب من المسيح أن يشفيه فكان له ما أراد.

 

لم ييأس ولم يُحبط ولم يقبل بوضعية العاجز غير القادر على رؤية طريق الخلاص والسير عليها. عرّف قدرة وألوهية المسيح ولجأ إليه طالباً الرحمة والنعمة فحصل عليهما ومن ثم تبعه وتتلمذ له. رفض الإذعان لهرطقات الكتبة والفريسيين وبعناد الأبطال لم يُبدل ولم يغير كلمة واحدة عما قاله عن الأعجوبة.

 

اتُهم بالخيانة والعمالة للغريب إلا أنه تمسك بالحقيقة وشهد لها غير مبالي بما سيوقعه عليه رجال الدين اليهود من تحريم ونبذ وعقاب ومضايقات. مشى الطريق لأنه كان في النور وهم ضلوا لأنهم عميان بصر وبصيرة وقليلي إيمان. ولو نظرنا اليوم حولنا في زمننا الحالي نجد أن الحال لم يتغير حيث أن جماعات المؤمنين يتعرضون للمضايقات والإضطهاد والذل والأذى الجسدي في معظم بلدان العالم إلا أنهم يقاومون بعناد متكلين على الله تماماً كما كان حال ابن طيما.

 

ما أحوجنا اليوم كلبنانيين مقيمين ومغتربين أن نقتدي بمثال هذا الأعمى المؤمن فنسير بقوة وعناد وإيمان وثبات على طريق الخلاص ونطلب من الله نعمة النور الإيماني لينير دروبنا وعقولنا وينجينا من شر عبادة مقتنيات الأرض الفانية وأن لا يدخلنا في فخاخ الشرور والتجارب الإبليسية.

 

من المحزن أن دفة سفينة وطننا الأم لبنان يمسك بها ويتحكم بحركتها قادة وسياسيين ومسؤولين عميان بصر وبصير وقد أوقعوه بسبب قلة إيمانهم وخور رجائهم في آفات الفوضى والاضطرابات والحروب وزرعوا بين أبنائه بذور الفتنة وثقافة الموت .

 

يا رب نور عقولنا لندرك أنك محبة، وابعد عنا ظلمة الخطيئة ونجنا من التجارب.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 03 نيسان/2011

 

10 نيسان/2011