الأسد الجائع لا يؤتمن على الشاة

بقلم/الياس بجاني*

 

مما لا شك فيه أن الرئيس الأسد لا يمكنه أن يعطي لبنان أو الرئيس الحريري أي شيء لأن فاقد الشيء لا يعطيه. الرجل محاصر بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان المنتظر صدور قرارها الظني قريباً جداً وهو المتهم الرئيسي مع نظامه وأخيه وصهره والمقربين منه في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وفي اغتيال العشرات من الشخصيات اللبنانية طبقاً لكل التحقيقات والتوقعات والشهادات ومنها شهادة الرئيس سعد الحريري نفسه للمحكمة وكذلك شهادة النائب وليد جنبلاط وشهادات العشرات من السياسيين اللبنانيين.

 

 كما أن نظام الأسد الأقلوي والديكتاتوري والإرهابي بخطر شديد لأنه محاصر بالمطالب الأوروبية وبالقرارات الدولية خصوصاً الـ 1559 و1680 و 1701  وبالشروط الأميركية الصارمة، وأيضاً واقع قسراً تحت المطرقة الإيرانية ولا يقدر أن يستغني عما يأتيه منها من مال ومساعدات وبترول، كما أنه لا يستطيع مخالفة رغبات الدولة الإسرائيلية التي تؤمن لنظامه إكسير الحياة دولياً وعربياُ.

 

وفي نفس الوقت يعاني هذا النظام ويخاف هول ووقع العصا التركية المرفوعة فوق رأسه. كيف لا يخاف ويحسب ألف حساب لهذه المطرقة العثمانية وبلاده ذاقت طعمها المر قبل أن تتنازل خانعة عن لواء الإسكندرون وتسلم عبدالله أوجلان وتفكك كل المنظمات الكردية التي كانت تحتضنها وتقيم لها المعسكرات في البقاع اللبناني؟

 

إن الشروط الموضوعة على نظام الأسد لعدم إسقاطه من المجتمع الدولي هي الابتعاد عن إيران والتوقف عن احتضان حزب الله وحماس وعدم التدخل ارهابياً في العراق إضافة إلى تهذيب نظامه القمعي داخلياً وتخفيف قبضته العسكرية على شعبه.

 

ولأن مصير النظام البعثي العلوي في سوريا سيكون نفس مصير الاتحاد السوفياتي أي التفكك من الداخل والسقوط في حال تجاوب مع ما هو مطلوب منه فالرئيس الأسد يحاول التشاطر والتذاكي والهروب إلى الأمام واختلاق الذرائع التي تبرر وضعيته الحالية أي إمساك العصا من كل أطرافها والبقاء متفلتاً ومستفيداً من كل التناقضات الإقليمية والعربية والدولية وتجيرها بحربائية وبرغماتية وشيطانية من أجل استمرارية تحكمه بالدولة والنظام.

 

من هنا فالأسد لا يمكنه أن يعطي الحريري أي شيء وهو سيستغل زيارته المدجنة سعودياً والمعراة والمستنكرة سنياً ولبنانياً ليزكي ارتباك تجمع 14 آذار ويقوي هجمة حزب الله وتحالف 8 آذار الوقحة على الدولة اللبنانية وعلى القرارات الدولية كافة وليضعف ثورة الأرز ويشتت قادتها ويزرع الفرقة أكثر وأكثر بين الطوائف اللبنانية بالتعامل معها افرادياً والإدعاء زوراً بحمايتها من بعضها البعض، بدلاً من التعامل مع الدولة.

 

الرئيس الأسد سيجهد بالوسائل المتوفرة كافة من اجل إبقاء لبنان ساحة لمناوراته وورقة في يده، كما سيبقي سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني أوراق ليفاوض بشأن مصيرهما ويستعملهما مع الأميركي والعربي والأوروبي والإسرائيلي. وبالتالي لا نزع لسلاح حزب الله ولا تفكيك للمعسكرات الفلسطينية-السورية خارج المخيمات ولا دخول للدولة اللبنانية للمخيمات الفلسطينية ولا فائدة من طاولة الحوار ولا قيام للمؤسسات الشرعية.

 

إن الهجمة السورية المغلفة بالانفتاح على الحريري تهدف اساساً إلى فرط عقد تجمع المستقبل ولبنان أولاً وكل مكونات 14 آذار المسيحية والسنية بعد إخراج وليد جنبلاط منها، وحصر التعامل مع الحريري فقط دون سواه وفرض عليه المعادلة التي كانت فرضت على والده في زمن الاحتلال، وهي الأمن والسياسة للسوري (حزب الله للأمن والرئيس سليمان للسياسة نيابة عن السوري) وفقط الاقتصاد والمال للحريري شرط أن يكون السوري شريك مضارب في كل شيء.

 

إن كل تصرفات النظام السوري قبل وبعد زيارة الحريري للشام تأتي في هذا السياق، وكذلك الأدوار الملغمة الموكلة لحزب الله والعماد عون والوزير فرنجية والرئيس بري والنائب جنبلاط ولباقي الربع المسورن في وطن الأرز من "قناديل ووهابيين" ومداحين وقداحين بالأجرة، وذلك خدمة للمشروع الشامي المفصل على مقاس الرئيس الحريري، وهو يقضي بإبعاده من كل جماعته وعزله وفرط تحالفه مع مسيحيي 14 آذار وترويضه من خلال السعودية ونزع كل مقومات قوته واقتلاع كل أسنانه السيادية. 

 

في هذا السياق جاء تصعيد السيد حسن نصرالله لنبرة خطابه في 19 من الشهر الجاري واتهامه كل المعارضين لسلاحه بالمرتزقة، وفي نفس الإطار تفهم تهديدات النائب علي رعد اليوم (21/12/09) الذي قال: "وصلنا إلى حدّ أن عادت الأمور إلى نصابها وستطور باتجاه تعزيز مناعة وقوة لبنان في وجه الاستهداف الإسرائيلي"، "المقاومة لن تتنازل ولن تساوم لا على الغجر ولا على مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ولا عن أي حبة تراب لبنانية ومن حقنا أن نمتلك السلاح".

وخدمة لنفس المشروع السوري يفهم كلام كل من النائب سليمان فرنجية والعماد عون المهاجم بقوة للدكتور سمير جعجع وللقوات اللبنانية ولكل مسيحيي 14 آذار.

 

يشار هنا إلى أن الصحف السورية وتحديداً جريدة الوطن لم تتوقف عن مهاجمة تجمع 14 آذار وعن محاولات زرع روح الهزيمة والفرقة بين أركانه حتى خلال وجود الحريري في الشام، وكذلك كانت ولا تزال مواقف العديد من المسؤلين السوريين. ومن يتابع أخبار وبرامج تلفزيوني المنار وال "أو تي في" لا يمكنه إلا أن يفسر كل ما يختلقانه من أخبار وتقارير وتصاريح، في سياق الهجمة السورية هذه.

 

إضافة إلى أن سوريا تقوم بجهد مباشرة من خلال مندوبها في مجلس الأمن وبالتعاون مع بعض قادة الدول العربية، وتكليفاً وتوكيلاً عن طريق الرئيس سليمان (زيارته الأخيرة لواشنطن) ووزير الخارجية اللبناني علي الشامي، وموقع لبنان في مجلس الأمن، والرئيس بري والنائب وليد جنبلاط  وحزب الله وعون وفرنجية وباقي وكلائها الجدد والقدامى في لبنان، تجهد لشطب القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 حتى الوصول إلى شطب القرار الخاص بالمحكمة الدولية.


في هذا السياق فقط يمكن للمراقب أن يفسر تحليلياً حادثة تفجير الباص السوري اليوم في شمال لبنان، فهي منطقياً تستهدف مؤيدي الحريري الشماليين الأقوياء وتسليط سيف الاتهامات والملاحقات على رقابهم بهدف شل كل أنشطتهم وإبعادهم عن الرئيس الحريري ووضع هذا الأخير في وضع دفاعي معزول.

 

إن ما يزعج حكام سوريا في القرار الدولي 1680 هو واضح وجلي في بنوده، كما أن المحكمة الدولية وقرارها الظني الآتي لا محالة إضافة إلى مفاعيل باقي القرارات الدولية المتعلقة بلبنان تقض مضاجع حكام الشام وتدفعهم للقيام بكل ما باستطاعتهم لحماية أنفسهم ونظامهم، وبالتالي من يريد الخلاص للبنان الحر والسيد والمستقل أخذ الحذر بعدم الوقوع في الفخ السوري وإبعاد الشاة عن أنياب الأسد الجائع والهائج.

أضغط هنا لقراءة القرار 1680 باللغتين العربية والإنكليزية 

http://www.clhrf.com/unresagreements/1680un17may06.htm

 

22 كانون الأول/09

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 21  كانون الأول/2009