حرب غزة أسقطت الأقنعة المقاومتية والتحريرية الكاذبة

بقلم/الياس بجاني*

 

من تابع خطابات وأحاديث ومواقف السيد حسن نصرالله منذ اليوم الأول لحرب غزة لا بد وأنه لاحظ بوضوح الجهد اللغوي الكبير الذي بذله من خلال تسويقه المدروس بعناية فائقة لعناوين إيمانية بعيدة كل البعد عن السياسة والقتال والصمود والتصدي والتحرير والعنتريات، وهي كلها عناوين لا تمت بصلة لقاموس مفرداته العكاظية ولعدة شغله الشعوبية والمقاوماتية التي عودنا عليها. مما قاله في هذا لإطار الانقلابي "اللساني" الكبير: "إن الذي يجمع المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية هو الإيمان"، مشدداً على أهمية الدعاء لمجاهدي المقاومة الفلسطينية وأهل غزة.

 

لقد أسقطت حرب غزة الأقنعة السورية والإيرانية، وعرّت حزب الله مقاومتياً، حتى من ورقة التوت.

 

أنه وتنفيذاً لفرمانات دولتي محور الشر سوريا وإيران، تحرشت حماس بإسرائيل عن سابق تصور وتصميم، واستفزتها عسكريا واعلامياً، مطلقة الصواريخ على مستعمراتها، ورافضة تجديد اتفاقية التهدئة معها، فحررت بذلك قوة آلتها العسكرية المدمرة، وأعطتها كل المبررات والحجج للقيام بالعملية العسكرية الكبيرة التي ما زالت مستمرة قتلاً وتدميراً، فيما سوريا وإيران وحزب الله يحاربون بالخطابات والبيانات والكلام الفارغ من أي معنى غير الكذب والخداع.

 

وجدت حماس نفسها وحيدة ومتروكة في مواجهة جيش إسرائيل، فيما الجبهة السورية صامتة صمت الأموات، وحزب الله منشغل في تنظيم المظاهرات والخطابات الديماغوجية مستهدفاً ليس إسرائيل، بل الدول العربية ومنادياً بإسقاط النظام المصري وباقي الأنظمة المعتدلة منها، في حين اكتفى السيد حسن نصرالله بشعائر الصلاة والأدعية للمجاهدين الفلسطينيين.

 

وفي سياق التخلي هذا أعلنت دولة الفرس على لسان رئيس مجلسها الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ومن سفارتها في دمشق مساء الأحد 4/1/09: "أن إيران و"حزب الله" لا ينويان حالياً خوض مواجهة مع إسرائيل". الأمر الذي عنى ترك حماس في غزة وأهل غزة لمصيرهم الدامي والمأساوي في مواجهة الجيش الإسرائيلي .

 

الدعوة لإسقاط الأنظمة العربية التي تقف في وجه المشروع الإيراني التوسعي لم تقتصر على السيد حسن نصرالله والعديد من قيادات حزبه، بل شملت أيضاً مباشرة ومواربة رجال دين كبار في لبنان منهم نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان الذي وجه نداءً إلى الرؤساء العرب، مما جاء فيه: "إذا سقطت غزة فان معظم العروش العربية ستسقط، فلا يجوز السكوت عما يجري في غزة، ولا يجوز السماح بسقوط غزة واستمرار المجازر فيها، ويجب ان يتنازل الزعماء العرب لبعضهم فيتواصلوا ويبادروا إلى عقد مؤتمر قمة عربية يتشاورون فيها لإنقاذ فلسطين، فالشعوب لن تسكت عن مأساة فلسطين، ولكم في تجربة انتصار الرئيس جمال عبد الناصر على الملك فاروق وانتصار الإمام الخميني على شاه إيران عبرة لان الشعوب ستنتفض بوجه الباطل".

 

ومما كان لافتاً في التظاهرات التي نظمها حزب الله في لبنان أنها استهدفت السفارة المصرية حيث رُميت عليها الأحذية وجرت محاولات لاقتحامها، وكأن الجيش المصري وليس الإسرائيلي هو من يواجه حماس في غزة.

 

نعم، بترك أهل غزة يواجهون وحدهم الموت والدمار سقطت الأقنعة المقاومتية والتحريرية الكاذبة، وتبين لأهل غزة ولباقي شعوب دول المنطقة أن دولتي محور الشر، سوريا وإيران، ومعهما منظمتي الإرهاب والأصولية، حزب الله وحماس، لا يريدون محاربة إسرائيل، أو رمي اليهود في البحر، أو تحرير القدس والجولان ومزارع شبعا، كما يبشرنا يومياً الرئيس الإيراني نجاد، ومعه كامل طاقم أبواق الحكم السوري البعثي الممانع ورقياً وكلامياً، لا، بل هم يعملون جاهدين على زعزعة الأنظمة العربية بهدف اسقاطها، وخصوصاً مصر والسعودية والكويت والبحرين، واستبدالها بكيانات وأنظمة ودويلات تدور في فلكيهما تخدم نفوذهما وتعمل في إطار مخططاتهما التوسعية والإجرامية.

 

وبالعودة إلى لبنان نستغرب الخطاب الاستجدائي والذمي واللا شرعي الذي تبناه أهل السياسة والحكم حيث راحوا يشكرون حزب الله بقصائد المدح الزجلية والمعلقات ويمجدون احساسه بالمسؤولية لأنه حتى الآن لم يدخل الحرب إلى جانب حماس.

 

هل تناسى هؤلاء الكرام أن الدولة اللبنانية هي وحدها لها قانونية ودستورية وشرعية التعاطي مع قرار الحرب والسلم؟

 

كان الأجدى والأنفع والأكثر مصداقية بجميع السياسيين والرسميين في لبنان، وبدلاً من التملق لحزب الله ونفخ كيانيته المتورمة سرطانيا، أن يحذروا قيادة هذا التنظيم العسكري الإيراني والأصولي علنية وبقوة ووضوح تامين من مغبة وعواقب مخالفتهم القوانين ومصادرة قرار الدولة المتعلق بالحرب والسلم، والتهديد بمحاكمتهم محلياً ودولياً ومصادرة أموالهم وأملاكهم في حال ارتكبوا أية حماقة عسكرية ضد إسرائيل، كتلك التي اقترفوها في تموز سنة 2006 وبررها السيد نصرالله بمقولته الشهيرة: "لو كنت أعلم".

 

يبقى أنه بسبب ذمية وتردد وخوف العديد من السياسيين والقياديين والمسؤولين اللبنانيين في كل ما يخص حزب الله، تأتي بيانات وممارسات وخطابات قادة هذا الحزب وكأنه لا وجود للدولة اللبنانية. وفي هذا الإطار: "أكدت مصادر "حزب الله" لـ "الدار" الكويتية، (6/1/2009) ان الحزب يدرس خياراته بعناية فائقة لكن ما يجعله غير مستعجل على حرق الأوراق التي يحتفظ بها، وهي كثيرة، مرده استبسال المقاومة الفلسطينية في غزة وإبلاؤها بشكل حسن، واضافت ان تدخل الحزب أو عدم تدخله مرتبط إلى حد بعيد بواقع الأرض في غزة، ومتى شعر حزب الله ان تدخله أصبح مطلوبا فلن يتأخر عن تلبية النداء لحظة واحدة على قاعدة وحدة المسار والمصير المقاوم، وبان المقاومات وحدة واحدة لا تتجزأ".

 

لا ذكر للدولة اللبنانية، ولا اعتبار ولا أحترام لوجودها، ولا حسابات للجيش اللبناني، ولا لمجلسي النواب والوزراء!!!

 

هذا الحزب الإيراني بقراره، وقيادته، وتمويله، وسلاحه، وفكره، وأهدافه، يعامل كل مكوِّنات المجتمع اللبناني المتعدد الإثنيات والحضارات والمذاهب بذمية فاقعة ويفرض عليهم بالقوة والإرهاب معايير ولاية الفقيه الخمينية بكل ما يتعلق بشؤون الحرب والسلم، والأعداء والحلفاء، والوطنيين والخونة، وكافة أوجه أنماط الحياة اليومية.

 

نلفت قيادات لبنان السياسية والرسمية إلى إن أمضى سلاح هو سلاح الموقف، فكفى تردداً ومماطلة وذمية وهروب من مواجهة هرطقات وخزعبلات وإرهاب حزب الله. سموا الأشياء بأسمائها وتأكدوا أن الدولة اللبنانية لن ترى النور قبل إنهاء دويلة حزب الله.

 

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 7 كانون الثاني/2008