السامبا البرازيلية وإرهاب حزب الله

بقلم الياس بجاني*

 

الخميس 1 أكتوبر/يو بي آي/بيروت: أُلغي في مدينة صور بجنوب لبنان اليوم احتفالا لفرقة سامبا برازيلية إثر اجتماع نحو مائة رجل دين شيعي من جنوب لبنان برئاسة الشيخ علي ياسين القريب من حزب الله، وإصدارهم بياناً حرموا فيه هذا المهرجان الذي كان من المقرر أن يقام ليل اليوم الخميس في المدينة. وأشار رجال الدين الشيعة في بيان أصدروه إثر الاجتماع إلى أن "المهرجان العاري" في إشارة على ما يبدو إلى زي الراقصات البرازيليات، "يتنافى مع الدين والأخلاق الإسلامية في مدينة صور مدينة الإمام الصدر والسيد عبد الحسين شرف الدين، وحمَّلَ البيان مسؤولية المهرجان الى بلدية صور".

 

من المؤسف جداً أن يتمكن حزب الله المرة تلو الأخرى من فرض إملاءاته وفرماناته الدكتاتورية بهذا الأسلوب المتحجر والرجعي والمنغلق، فهو يتمادى بغيه وتعجرفه وقهره وقمعه أكثر وأكثر دون رادع، ويتابع بشكل يومي منظم وممنهج تحديه العلني السافر والوقح للدستور اللبناني الذي كفل الحريات العامة، وبقوة السلاح والإرهاب يفرض هذا الحزب الإيراني بأهدافه وثقافته وتمويله وقياداته وتنظيمه ومرجعيته، يفرض على لبنان واللبنانيين ثقافة ونمط حياة مستوردين وغريبين يرفضهما الشعب بغالبية شرائحه الثقافية والحضارية والإثنية.

 

بلدية صور أُجبرت بالقوة على إلغاء عرض الفرقة البرازيلية وقالت في بيان لها: "ان بلدية صور يهمها ان تؤكد للراي العام ان المهرجان المذكور لم يتعرض للقيم الاخلاقية والدينية وليس اباحيا كما روج البعض. لذلك وبناء لتوجيهات وارشادات مفتي صور وجبل عامل القاضي الشيخ حسن عبد الله قررت بلدية صور الغاء الحفل في المدينة، مع تاكيدنا وحرصنا على عمق الصداقة اللبنانية البرازيلية وشكرنا للسفارة البرازيلية في لبنان ولمؤسسة بن نجار معاهدين ان تبقى صور دائما وابدا وفية لمبادئها والتزاماتها التي ارسى دعائمها الامام السيد موسى الصدر".

 

بدورها الجمعيات الاهلية والثقافية والهيئات النقابية في منطقة صور أصدرت بيانا جاء فيه: "دعما للحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، اجتمع عدد من ممثلي الجمعيات والهيئات الثقافية والمجتمع المدني اثر الإلغاء التعسفي للاستعراض الفني البرازيلي الذي كان مقررا في المدينة كنشاط سياحي وثقافي، بعد موافقة البلدية، وذلك بعد عدة جولات قام بها الفريق البرازيلي في مختلف المناطق اللبنانية. وسجل الحاضرون الملاحظات التالية:

1- ان المنع الذي حصل يضر بسمعة صور السياحية ووجهها الحضاري وينعكس سلبا على الحركة السياحية في المدينة.

2- الخشية من ان يتحول الامر الى سابقة يليها المس بالحريات في بلد التعايش ومدينة الانفتاح.

3- التخوف من ان يكون هذا الالغاء القسري مؤشرا ومقدمة لاجراءات تمس الحريات الفردية والعامة ومن شأنها ان تدفع بمدينة صور الى الانضمام الى قائمة المدن المغلولة باجراءات القمع والتحريم.

4- التأكيد على حق الجميع بالتعبير عن الرأي من دون فرضه على الاخرين مع احترام المشاعر وعدم جواز منع الحريات وانتهاكها وهو ما يكفله الدستور." 

 

تحية إكبار للبلدية وللجمعيات الاهلية والثقافية والهيئات النقابية في منطقة صور، فهؤلاء ورغم التهديدات السافرة وكل وسائل الإرهاب التي استعملها حزب الله أبوا إلا أن يرفعوا الصوت عالياً بكبرياء وعنفوان وأصروا على أن يشهدوا للحق ويسموا الأشياء بأسمائها غير آبهين بعنتريات وهرطقات حزب الله.

 

يشار هنا إلى أن الفرقة البرازيلية نفسها قدمت خلال شهر أيلول الماضي عروضاً كثيرة وناجحة في بيروت وزحله وجونيه دون أية اشكالات وقد لاقت العروض استحسان واعجاب المشاهدين. السفارة البرازيلية في بيروت استغربت الضجة غير المبررة التي أثارها حزب الله وقال الملحق الثقافي فيها لوكالة الصحافة الفرنسية: "إن تدابير كانت اتخذت لمراعاة الحساسيات في مدينة صور ذات الغالبية الشيعية، بينها تغطية الراقصين والراقصات لأجسادهم بدلا من العرض بملابسهم التقليدية الخاصة بالسامبا".

 

لقد فات حزب الله الذي يتحمل المسؤولية الكاملة لهذا القمع الفني المستنكر أن مدينة صور المتجذرة في التاريخ والحضارة والتي هي مدينة الإمام الصدر والسيد عبد الحسين شرف الدين،

هي أيضاً ومنذ 7000 سنة مدينة الفكر والثقافة والسلام والقادة والفنانيين والكتاب والمفكرين والمخترعين والمبدعين والعباقرة والفلاسفة العظام، وهي لن تكون أبداً مدينة الإنغلاق والتحجر والتقوقع والتعصب والهمجية.

 

ولقد فات حزب السلاح والغزوات أيضاً أن مدينة صور هي مسقط رأس الشاعر مليقار العظيم (140-70 ق.م.) الذي عبر عن الرسالة اللبنانية السامية وعلى بلاط قبره حفر:

 "نعم، أنا مليقار، مدينة صور ربتني، وقد شاهدت النور من قداره. أيها الغريب: لا تتعجب إننا نسكن بلاداً واحدة اسمها: العالم"

 

إن قمع وإرهاب حزب الله المستمر بوتيرة تصاعدية لكل ما هو تعددية اثنية ومذهبية وحريات وانفتاح وحضارة وديموقراطية وفن وحياة كريمة هو دليل قاطع على أن المشكلة في لبنان حالياً هي صراع مخيف ما بين ثقافتين، الأولى يمثلها حزب الله وهي صورة عن ثقافة الموت والحروب والانتحار المتحجرة والمنغلقة التي يفرضها بالقوة ملالي إيران على شعبهم وتستعدي العالم بأجمعه، وثقافة ثانية هي ثقافة لبنان المحبة والسلام والحياة بوجهها المشرق والتي من حاملي رايتها المفتي علي الأمين وغيره الكثيرين من مفكري وقيادات وسياسيي الطائفة الشيعية الكريمة الذين يرفضون الرضوخ لإرهاب حزب الله ولإملاءاته ويعارضون مفهوم حزب الله لولاية الفقيه.

 

أنه وفي حال قبلنا المنطق الذي حرّمَ عرض فرقة السامبا البرازيلية فإننا بالتأكيد مقبلين وقريباً جداً على تحريم كل المظاهر والممارسات الحضارية والثقافية والإبداعية، والسبّحة بالطبع ستكر والقمع سيزداد إن لم يوضَع حداً لممارسات حزب الله غير القانونية والتسلبطية، وإلزامه التقيد بالدستور واحترام المجتمع اللبناني الموزاييكي بثقافته وتاريخه وحضارته ومعتقداته الدينية والمذهبية.

 

اللافت أن قيادات تدعي العلمانية وحمل لواء حقوق الإنسان والحريات من مثل العماد ميشال عون والنائب في كتلته غسان مخيبر وغيرهما الكثيرين قد بلعوا ألسنتهم وأصيبوا بالعمى والخرس والطرش الإنتقائي، ولم يصدر عن أي منهم ولو بيان صغير لرفع العتب يستنكر أرهاب حزب الله، علماً أن نفس القيادات هذه كانت غابت عن السمع والبصر في شهر تموز الماضي عندما منع حزب الله وأيضاً عن طريق الإرهاب الفنان الهزلي الفرنسي - المغربي جاد المالح من المشاركة في مهرجان بيت الدين.

 

حمى الله لبنان وشعبه من الجهل والجاهلين والإرهاب والإرهابيين، ونختم بقول الإمام علي: "مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا، حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا".

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي
*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com
*
تورنتو/كندا في 7 تشرين الأول/2009