أهلنا النازحين إلى إسرائيل: من صارَعَ الحقّ صَرَعه

بقلم/الياس بجاني*

 

(وطنية- 27/3/2009 : "ولعل من المعيب أن ينطلق بين الفينة والأخرى من يسعى لتحرير العملاء واللصوص والمجرمين من قيود القانون ومستلزمات العدالة، وآخر هذه المحاولات جرت من خلال مشروع يقدم للمجلس النيابي للعفو عن رموز الجريمة والعمالة، ممن كانوا يد الاحتلال وعينه في احتلال أرض الوطن وقتل مواطنيهم وتدمير بلدهم، وزج الأحرار والشرفاء في المعتقلات وبؤر التعذيب المتعددة".) مقطع من الخطبة التي ألقاها العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، يوم الجمعة بتاريخ 27/3/09، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك. 

 

أصابتني الدهشة والحيرة وحزنت جداً وأنا أقراً ما قاله العلامة، السيد محمد حسين فضل الله عن أهلنا النازحين إلى إسرائيل، دون أن يسميهم، وذلك تعليقاً على إقتراح قانون العفو العام الذي قدمه النائب أنطوان زهرا إلى مجلس النواب، لمنح عفو عام عن الجرائم المقترفة قبل 27 نيسان 2005.

 

نقول، وبراحة ضمير متناهية، أن أهلنا هؤلاء هم من أشرف الشرفاء، ومن أكثر اللبنانيين وطنية وإخلاصاً وتفانياً، وكل محنتهم ومأساتهم ناتجة عن عمق وتأصل حبهم لوطنهم، وتعلقهم بأرضهم، ورفضهم العيش إلا بكرامة وعزة.

 

هم ليسوا بحاجة لمنة من أحد ليعفوا عنهم، لأنهم لم يرتكبوا لا جرم الخيانة، ولا رجاسة العمالة، ولا باعوا أرضهم، ولا تاجروا بالمقاومة، ولم يعتدوا على أحد.

 

دافعوا ببسالة عن أنفسهم وأرضهم وأعراضهم، وهذا واجب مقدس وحق مشروع، ولم يخالفوا أياً من القوانين اللبنانية المرعية الشأن، ولا هم رفعوا في يوم من الأيام غير العلم اللبناني. وقد وقفوا طوال سنوات العزل والحصار والتخلي التي فرضت عليهم من قبل حكام دولتهم القابعين تحت نير الاحتلال الحقيقي، وقفة الأبطال في وجه كل جحافل المأجورين والأصوليين والغرباء والمرتزقة والإرهابيين وتجار التحرير، وقدموا من أبنائهم على مذبح أرض الجنوب الغالية ما يزيد عن 800 شهيد، بينما الغير، والذي يدعي البطولة اليوم، هلل لكل غريب وكل فاسق وكل تاجر، وكل من عمل ضد وطنه تحت أية راية أو أيديولوجية، وبهدف نحر الوطن وقتل أحلام أبنائه ولم يستح بعد لا بالشعارات ولا بالأعلام ولا بالحروب التي شنوها، ولا يزالون على كل من تجرأ على مواجهتهم بالحقيقة.

 

أهلنا الأحرار والسياديين والأتقياء هؤلاء نزحوا مجبرين إلى إسرائيل سنة 2000 لا خوفاً على حياتهم وحياة أطفالهم، بل لوقف مهزلة التقاتل بين اللبنانيين التي أرادها ولا يزال بعض قصيري النظر من أمثال ذلك الذي هدد علانية بالدخول إلى مخادعهم، وبقر بطونهم، وقطع أعناقهم، والتي لم تكن بالسهولة التي اعتقد وهو ذاقها بالتأكيد.

 

منسيون هم من قبل الغالبية العظمى من القيادات اللبنانية الزمنية والروحية على حد سواء، علماً أنهم ينتمون إلى كل الطوائف اللبنانية، ولا يمكن لأحد، مهما علا شأنه، أن يتنكر لما قدموه لوطن تخلت عنهم حكوماته طوال ثلاثة عقود من الزمن.

 

وهنا تجدر الاشارة إلى أن زعماء ورجال دين يعرفهم جيدا العلامة فضل الله كانوا شجعوا الجنوبيين على التعاون مع الاسرائيليين بقولهم لأبناء إحدى القرى الشيعية الذين سألوا عن البوابة التي فتحت على الجدار القريب من قريتهم "إن أغلق الاسرائيليون البوابة اقفذوا فوق الشريط"

 

نسأل من يتهم أهلنا هؤلاء بالعمالة والخيانة أن يحدد للبنانيين وللعالم، المعايير الوطنية والقانونية والأخلاقية والدينية التي يستند إليها في اتهاماته الباطلة هذه، ونحن سنكون أول من يرتضي بتطبيقها على الجميع دون استثناء.

 

مما لا شك فيه أنه في حال استعمل معيار وميزان واحد للعمالة والخيانة، وطبق بعدل وإنصاف على الجميع، فإن أهلنا النازحين إلى إسرائيل سيكرمون وتقدم لهم دروع البطولة وتقام لشهدائهم التماثيل والنصب التذكارية!! وليس كما حدث يوم دخلت جحافل الحقد حيث أفرغت حقدها بنصب الشهداء وتماثيلهم.

 

حرام، وألف حرام أن تعامل شريحة من شعبنا اللبناني بهذه القساوة، وبهذا الظلم، وبهذا الكم من التجني والافتراء والتنكر.

 

فحتى سجن الخيام "الفزاعة" الذي فُبركت حوله الأكاذيب والروايات، هو مقارنة مع كل السجون اللبنانية والعربية والشرق أوسطية، وحتى العالمية التي تتعاطى مع الارهابيين، فندق بسبعة نجوم.

 

نسأل أين هي سجون حزب الله، ومن هو الذي يعرف ماذا يجري في أقبيتها، ومن هم نزلائها؟ وماذا عن سجون الشقيقة والجارة!! معيب هذا التعامي عن الحقائق.

 

إلى كل من يتجبر، ويعاند، ويكابر، ويصدر الأحكام والإتهامات دون وجه حق، ويصنف الناس طبقاً لمفاهيمه ومعتقداته، وفي نفس الوقت ينادي بالتعايش، والسلام، والأخوة، وبمبدأ قبول الآخر، نقول خافوا الله، فهو عز جلاله، لا يقبل بالظلم، ولا يرضى عن الظالمين والمفترين.

 

لكل القادة الروحيين والزمنيين في لبنان الذين يقيسون الأمور بمقاييسهم الخاصة، ويصدرون الأحكام طبقاً لمعاييرهم الذاتية والعقائدية، نقول وبمحبة وصدق، إن أردتم أن يحترم الغير أبطالكم وشهداءكم وخصوصياتكم وثقافتكم، احترموا أنتم بدوركم أبطال وشهداء وخصوصيات وثقافات ومعتقدات وطقوس الغير، وتذكروا أن أهلنا النازحين إلى إسرائيل بنظر شريحة كبيرة من اللبنانيين، ونحن بافتخار في مقدمتهم، هم أبطال وشرفاء وأصحاب حق وحاملي قضية.

 

وللأحباء من السياسيين الذين يتحاشون الدفاع عن إهلنا في الجنوب خوفا من الفجّار نقول إن الفجور يسيطر على الساحة لأنكم لا تردعونه وهو سيقف عند حده يوم تقولون كلكم بصراحة أين هو الحق وأين هو الباطل.

 

وعن تهمة التعامل مع إسرائيل "الجاهزة"، التي ترمى جزافاً هنا وهناك، نقول للجميع ما قاله السيد المسيح للكتية والفريسيين والعشارين والمرائين للذين كانوا يريدون رجم مريم المجدلية: "من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر".

 

ومن كان في لبنان، كل لبنان، من القيادات والأحزاب كافة، سجله دون اتصال أو تعامل أو علاقة أو تعاون مع إسرائيل وغير إسرائيل، أو زيارة لها، فليرمي أهلنا الأبطال بتهمة!!.

 

إن أهلنا في إسرائيل مستعدون لتحمل الكأس عن كل الوطن كما فعلوا يوم كانت جحافل المنظمات وجيوش الاحتلال تعيث بالوطن خرابا، ولكن فليتوقف من بيوتهم من زجاج عن رمي الحجارة كيفما اتفق لأنه للصبر حدود.

 

نختم بقول الإمام علي: "ليكن أمرُ الناس عندك في الحق سواء. من تعدّى الحقّ ضاع مذهبُه. من صارَعَ الحقّ صَرَعه".

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في  29 آذار/2009