لماذا يرفع دائماً الرئيس الحريري سقوف مواقفه وفجأة يتراجع ويتركها تنهار!!

http://newspaper.annahar.com/article/108496-حزب-الله-مثل-داعش

الياس بجاني/15 شباط/14/على المستوى الشخصي نحن نرى في الرئيس الحريري أنسانا متواضعاً وأكثر من رائع وبالتأكيد معتدل وقريب من القلب وصادق، إلا أننا بتنا نخاف من رفع سقوف مواقفه في مواجهة حزب الله ونظام الأسد كما فعل أمس في الكلمة التي ألقاها في البيال في ذكرى 14 شباط التاسعة، وكما فعل أيضاً في محطات مفصلية عديدة منذ العام 2005. بتنا نخاف لأنه ودائما وفجأة يهبط من الأعالي بمواقفه ووعوده وعهوده إلى ما هو تحت وتحت التحت وينقض ما كان نادى به ورفع سقفه والأمثلة كلها مخيبة للآمال ولم تؤدي إلا إلى المزيد من تراجع وتفكك 14 آذار وإلى تقدم محور الشر السوري-الإيراني وتمدده وازدياد هيمنته الإرهابية والغزاوتية على كل لبنان وفي الداخل السوري حيث يشارك الشبيحة في قتل أحرار سوريا.

إن اخطر ما يقوم به تيار المستقبل كقيادات وتحديداً بشخص الرئيسين الحريري والسنيورة ومنذ اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 أنه يرفع السقوف حتى السماء وما أعلى منها بمواجهة سوريا وإيران وحزب الله وفجأة في كل مرة يتراجع ويترك هذه السقوف تسقط على رؤوس مؤيدي ومحبي ثورة الأرز مما يؤدي إلى ضياع فرص استرداد السيادة والإستقلال وتحرير الوطن من احتلال محور الشر. إنه وبنتيجة هذه الزئبقية في مواقف قيادة تيار المستقبل فإن 14 آذار على مستوى القيادات والأحزاب مفككة ونكاد نقول براحة ضمير أنها ما عدى قلة منهم القوات اللبنانية باتوا يتصرفون كجماعة من قناصي الفرص ولنا في هجمة هؤلاء اللاهثين غير المبررة على اقتناص الحقائب الوزارية في الحكومة التي يتم طبخها منذ 10 أشهر وما يزيد ولا تزال طبخة بحص. نتمنى لو أن الرئيس الحريري لا يرفع أي سقف من سقوف مواقفه إلا إذا كان واثقاً من قدرته على الحفاظ عليها والالتزام بها. للأسف حتى الآن ليس هذا هو حال تيار المستقبل بشخص الرئيسين الحريري والسنيورة تحديدا ولهذا يزداد حزب الله وقادته فجوراً واستكباراً وتمددا وقتلاً واغتيالات وعدم اكتراث بكل 14 آذار. هذه مسلسل زئبقي للرئيس الحريري ولمن يؤثر على قراراته وتكويعاته وصعود ونزول مواقفه محلياً واقليماً ويجب أن يتوقف... وسامحونا

 

مقالات "حزب الله" مثل "داعش"...

علي حماده/النهار/15 شباط/14

أهم ما قاله الرئيس سعد الحريري أمس انه "كما يرفض ان يكون "تيار المستقبل" وقوى ١٤ آذار على صورة "حزب الله"، فإنه بالمقدار نفسه يرفض ان يكون على صورة "داعش" و"النصرة". بهذا الموقف وضع الحريري في شكل او آخر "حزب الله" في مرتبة التنظيمين المتطرفين، اللذين يكثر الحديث عنهما في الحرب الدائرة في سوريا، باعتبار انهما موضوعان على لائحة الارهاب الدولية. وهما يمثلان صلب "البروباغاندا التكفيرية" التي يمارسها "حزب الله" في سياق الدفاع عن سياسته وسلوكياته وارتكاباته التي ما عادت تحصى في لبنان وسوريا. لكن المؤسف في وضع الحريري "حزب الله" في موازاة "داعش" - "النصرة" انه لا يستطيع إلا ان يجلس مع الحزب في حكومة واحدة! هذه هي الحقائق اللبنانية المؤسفة التي تفرض على الضحية ان تجلس جنبا الى جنب مع الجلاد، فقط لان الجلاد تمكن من خطف وعي جمهور مغرر به، واستغلاله في خدمة مشروع ووظيفة يقربان هذا الجمهور من الهاوية يوماً بعد يوماً.

نعم، نحن وكثيرون من جمهور 14 آذار حزبيين ومستقلين، يرون ان الجلوس مع "حزب الله" أمر سيئ، وان التعامل مع الحزب المذكور ينبغي ان يكون بعيداً عن التردد، والقفز من موقف الى موقف. ونحن أيضاً من الذين يعتبرون ان مجرد الجلوس الى جانب قتلة رفيق الحريري، وسائر الشهداء وصولا الى آخرهم محمد شطح هو تنازل كبير ومؤلم ويشبه طعن النفس بسكين.

ولمناسبة مرور تسع سنوات على اغتيالهم رفيق الحريري نعتبر ان التنازل الكبير والمؤلم جداً، أي المشاركة في حكومة مع "حزب الله"، ينبغي إذا بدا ان لا فكاك منه ان يقترن بثبات في مواقف مبدئية تتعلق أولاً بالتسميات، اي أن لا يتنازل "تيار المستقبل" عن تعيين اللواء أشرف ريفي وزيراً للداخلية أياً تكن الظروف، وان لا يأتي تمثيل قوى ١٤ آذار وبينها "تيار المستقبل" ضعيفاً بانتداب شخصيات لتولي حقائب وزارية جرت تجربتهم في السابق وتميزوا بحماستهم لخدمة مصالح "حزب الله" وأتباعه بسبب ضعفهم. وهنا ندعو المعنيين بالتوزير الى سحب اسماء لا طعم لها ولا لون. فلقد قدمنا ما يكفي من الشهداء والتضحيات كي لا نرضى بأن نتمثل بـ"خصيان" في السياسة والمواقف.

أمر آخر، على الرغم من تعثر المساعي لتشكيل الحكومة بسبب معارضة "حزب الله" توزير اللواء ريفي، فإننا ندعو في حال تشكلت الحكومة الى موقف صلب في ما يتعلق بما يسمى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" المرفوضة، اذ نعتبر ان لا مقاومة في لبنان، بل حزب فاشيستي مافيوي مذهبي ينبغي ألا يكون الجلوس المفروض فرضاً معه مناسبة للاستسلام له لا في المبادئ ولا في الممارسة اليومية للمسؤولة الحكومية. هنا نعود الى ما قاله سعد الحريري في مقابلته الأخيرة في التلفزيون، حيث وصف المشاركة في حكومة مع "حزب الله" بأنه "ربط نزاع". هذا معناه ان المواجهة مستمرة حتى لو جلس الاحرار الى الطاولة نفسها مع القتلة.

 

االنص الكامل لكلمة سعد الحريري في حفل 14 شباط

يقال نت 15 شباط/14/في ما يأتي كلمة الرئيس سعد الحريري في الاحتفال الذي أقامته قوى "14 آذار" لمناسبة الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في مجمع "بيال" مساء اليوم:

أيها الإخوة والأخوات،الرفاق والأصدقاء في تيار المستقبل و14 آذار،وشركاء المسيرة المستمرة بإذن الله،أيها الأحبةفي كل مكان من لبنان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندما دخلت قبل شهر، الى قاعة المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، شعرت للمرة الاولى منذ تسع سنوات، ان دوي العدالة في لاهاي، كان أقوى من دوي الانفجار في ١٤ شباط ٢٠٠٥، وان ابتسامة رفيق الحريري، كانت أمضى من سلاح المجرمين والمتهمين، الذين قرّروا ان يدفنوا أنفسهم في أقبية الهروب. في لاهاي، عَطَّلت ثورة الأرز، مفعول ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة، زرعت في قلب بيروت لاقتلاع أمل اللبنانيين بالحرية والسيادة والاستقلال، ووقَّعت دماء وسام عيد ووسام الحسن وكل الشهداء مُطالعة الانتصار على القتلة والمخططين والمحرضين والمتواطئين والمنفذين، وعلى كل من يشارك في إخفاء المتهمين.

في لاهاي انتصرت انتفاضة الاستقلال، وانتصرت إرادتكم، أنتم الذين زحفتم الى بيروت، مطالبين بتحقيق العدالة، حاملين العلم اللبناني وحده، لإنهاء نظام الهيمنة والوصاية، على إرادة الاغتيال السياسي في لبنان والوطن العربي. في لاهاي، أدركت وأدرك العالم، لماذا طالب اللبنانيون واللبنانيات بهذه المحكمة: متهمون خمسة باغتيال رفيق الحريري في حماية معلنة من حزب مسلَّح، ولا يمكن للدولة اللبنانية أن تسأل عنهم مجرد سؤال. متهم بمحاولة اغتيال بطرس حرب، في حماية حزب مسلح، ولا يمكن للدولة اللبنانية أن تصل إليه لتسجيل شهادته، مجرد شهادته. ومتهمون بتفجيري طرابلس، معروفون بالأسماء ومكان الإقامة، لا يمكن للدولة اللبنانية أن تصل إليهم، مجرد وصول. وبعد كل ذلك، يسألون لماذا طالب اللبنانيون بالمحكمة الدولية؟ أعادتنا لاهاي الى تفاصيل الجرح العميق. الى الوجع في لحظاته الاولى. نعم، لقد حركت لاهاي فينا أوجاع كل الاغتيالات، من رياض الصلح الى محمد شطح، لكنها لم تحرك فينا، وبحمد الله، أي شعور او رغبة بالثأر والانتقام.

لو أراد رفيق الحريري أو محمد شطح أو بيار الجميل أو وليد عيدو أو رينيه معوض أو المفتي حسن خالد، أو أي من عشرات الشهداء، أن يعلقوا على المحكمة التي أنشئت من أجل لبنان، هل كان يمكن أن يقولوا غير ذلك؟ هل يمكن أن نتصور أنهم سيطلبون الثأر، أو يدعون الى الرد على الاغتيالات السياسية باغتيالات سياسية مضادة، والى حمل السلاح في وجه حملة السلاح والخارجين على الإجماع الوطني؟ وأنتم رفاق وأحبة وجمهور رفيق الحريري، هل تقبلون أن تكونوا على غير الصورة التي أرادها الرئيس الشهيد لوطنه؟

أعلم أيها الأخوة والأخوات، أن فينا من يعتقد، ان هذه اللغة لا تلاقي العواطف المشحونة بمشاعر الظلم والقهر، وان هناك من يؤمن بأن الحديد لا يفلّه في النهاية الا الحديد، وان الطرف الآخر المتهم بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم، والمسؤول عن تصدع الحياة الوطنية واستدراج البلاد الى الحروبِ الخارجية، هذا الطرف، بات بنظر البعض منكم، طرفاً لا تنفع معه لغة الحوار والجدل السياسي. ولكن، أيها الأخوة والأخوات، في لبنان الذي أراده رفيق الحريري وكل الشهداء، والذي نريده نحن جميعاً لأولادنا، الدولة وحدها هي من تضرب الحديد بالحديد. وإذا كان هناك فريق مسؤول عن تصدع الحياة الوطنية، فلا بد لنا أن نكون نحن مسؤولين عن الوحدة الوطنية. وإذا كان هذا الفريق مسؤولاً عن استدراج البلاد إلى حروب خارجية، فمسؤوليتنا تحييد لبنان. وإذا خالفوا الإجماع الوطني، فيكون علينا أن نزيد التزاماً بقواعد هذا الإجماع في اتفاق الطائف وإعلان بعبدا، وأضيف إليهما وثيقة بكركي الأخيرة، التي نرى فيها خارطة طريق لجميع اللبنانيين، للمسلمين مثل المسيحيين، نحو قيام الدولة، وحصرية السلطة في يد المؤسسات الشرعية.

أقول هذا، وأعرف مسبقاً ما قد أواجه من انتقادات. لكن أقول لكم أيضاً: تصوَّروا أن نخرق القانون، ونحمل السلاح ونضعف الدولة ونخرج عن الإجماع الوطني ونفتي في العباد خدمة لمصالح ذاتية، ونخوّن من لا يرى رأينا، ونكفّر من لا يتّبع طائفتنا ومذهبنا، ثم يحارب بعضنا بعضاً.

في الحقيقة، هذا كله سهل. الدمار سهل والقتل سهل والخروج على الدولة سهل. فهل هذا هو لبنان الذي تريدونه؟ لبنان الموت والخراب والخروج على الدولة والقانون والدستور؟

أيها الإخوة والأصدقاء، أيها الرفاق والأحبة في تيار المستقبل، سأكون صريحاً ومباشراً: تيار المستقبل، إما أن يكون، على صورة رفيق الحريري، أو لا يكون. إما ان يكون في مستوى أحلامه، ومسيرته، وكفاحه، وتاريخه القومي والوطني، وإما لن يكون.

نحن من مدرسة، تفتدي الوطن بالأرواح، ولسنا من مدرسة، تفتدي الحزب او الطائفة بالوطن. نحن من مدرسة، دفع ويدفع قياديوها بحياتهم، ثمن حق لبنان واللبنانيين، بالحياة والحرية والكرامة، وثمن وضع مصلحة لبنان أولاً، لا من مدرسة يدفع قياديوها بلبنان واللبنانيين إلى الموت والخوف والمذلة، خدمةً لمصالح خارجية.

شباب وشابات تيار المستقبل، وكل من يمتّ بصلة المحبة والوفاء والشراكة الوطنية الى تيار المستقبل، يدركون هذا الفهم بعمق، وسنتصدّى للتحريض والدعوات المشبوهة لزج اللبنانيين، والطائفة السنّية خصوصاً، في حروب مجنونة لا وظيفة لها سوى استدراج لبنان الى محرقة مذهبية. اما أولئك الذين يتوهمون بوجود بيئة حاضنة للإرهاب في لبنان، ويحاولون أن يلقوا المسؤولية على تيار المستقبل، وعلى المدن والبلدات المعروفة بغالبيتها السنّية، فنؤكد لهم أن أوهامهم مردودة إليهم. فكما يرفض تيار المستقبل ان يكون على صورة حزب الله، فإنّنا نرفض أن نكون على صورة داعش أو النصرة، وأيِ دعوة لإقحام التيار والسّنة في لبنان بالحرب الدائرة بين حزب الله والقاعدة.

هؤلاء جميعهم يمثّلون مفاهيم مدمّـِرة وأدوات لاستنـزاف الدولة، ومشاريع لحروب لا تنتهي بين المسلمين. ونحن معَ الأكثرية الساحقة من أهل السّنة في لبنان، سنواجه هذه المشاريع، واي أمر يسيء لاستقرار البلاد، وقواعد الإجماع الوطني. هذه ثوابتنا، وأي خروج على هذه الثوابت هو اغتيال ثان لرفيق الحريري!

أيها الإخوة والأصدقاء، كلامنا واضح وضوح الشمس وهو ليس معروضاً للتفسير او التأويل او التبرير. نحن نؤكد على ثوابت نلتزم بها وقدّمنا في سبيلها الشهداء. رفيق الحريري وباسل فليحان ووليد عيدو ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح لم يستشهدوا ليكون تيار المستقبل ومن خلفه السنّة في لبنان حاضنة لأي تنظيم إرهابي، وهم لم يستشهدوا مع بيار الجميل وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وانطوان غانم وهاشم السلمان وكل الشهداء الأحرار، ليسلموا حزب الله حقّ الإمرة في الشؤون الوطنية ويغطوا مشاركته في الحرب السورية.

لقد سبق وتحدثنا الى حزب الله مباشرة وجلسنا معه الى طاولة الحوار لجلسات طويلة، وتوجّهنا اليه بمئات الدعوات لوقف مسلسل اهتراء الدولة، بفعل انتشار السلاح. الحزب لا يريد أن يستمع لأحد، وهو يتعامل مع الدولة بصفتها ساحة لمشروع إقليمي خاص، ويزج بلبنان في حروب لن تعود بغير الخراب.

وبالرغم من ذلك، قلنا ان المصلحة الوطنية لا يجوز أن تبقى أسيرة الأبواب الموصدة، وأعلنتُ من لاهاي، وفي ذروة المتابعة لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، ان حماية لبنان والاستقرار الوطني أهم منا جميعاً، وان اي كلام عن عزل الطائفة الشيعية هو كلام باطل هدفه اختزال الطائفة بالحزب والسلاح.

أردنا الحكومة خطوة على طريق الاستحقاق الرئاسي، وتتويج عهد الرئيس ميشال سليمان بمبادرة وطنية جامعة، تضاف الى الإنجاز المتمثل بالدعم الكبير، الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للجيش اللبناني.

وهنا، اسمحوا لي بكلمة عن الاستحقاق الرئاسي:

سأكون أكثر وضوحا من الوضوح:

أولاً: نحن نرفض الفراغ في رئاسة الجمهورية. لأن دولة يرأسها الفراغ هي دولة برسم الانهيار، ونحن، لا مشروع لنا سوى الدولة. ونرفض الفراغ في رئاسة الجمهورية، لأننا من مدرسة، تعتبر الرئيس المسيحي الماروني اللبناني، رمزاً للعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، التي نعلن تمسكنا به أساساً للبنان.

نعم، نحن تيار المستقبل، نرفض أن يكون منصب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، لا بل الرئيس المسيحي الوحيد من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب، نرفض أن يكون هذا المنصب مرشحاً للفراغ.

ثانياً: إذا كانت وصاية آل الأسد على لبنان قد جعلت رئاسة الجمهورية مناسبةً لتخطّي إرادة المسيحيين في لبنان، وإشعارهم بغبن التمثيل، وإشعار المسلمين معهم بالوصاية التامة، فإننا في تيار المستقبل لن نقبل إلا برئيس يمثل الإرادة الوطنية للمسيحيين ويرفض كل وصاية إلا وصاية الدستور.

أيها الإخوة والأخوات،

لأن لا مشروع لنا، سوى الدولة، أتوجّه الى الحكماء في الطائفة الشيعية وفي المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، الى أبناء ومقلدي الامام موسى الصدر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسين فضل الله، والى السادة العلماء الذين يجاهرون بقول الحق، ويتقدّمون نخبة من الشخصيات والمثقفين وأصحاب الرأي الشجعان، وأتوجه بشكل خاص الى الرئيس نبيه بري، نعم، إلى دولة الرئيس نبيه بري، بكل ما توجبه الأمانة والصدق في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان.

أتوجه اليه بصفته ركناً من أركان الطائفة الشيعية في لبنان، وقيادياً له باع طويل في خوض الأزمات وإنتاج المخارج وترميم الجسور بين اللبنانيين.

هناك أمور كثيرة يمكن التحدث عنها، سأكتفي اليوم بطرح موضوع المشاركة في الحرب السورية، والفائدة التي يجنيها لبنان، وتجنيها الطائفة الشيعية خصوصاً من هذه المشاركة، هذا الموضوع بات يشكل الخطر الأكبر على الاستقرار الوطني، وعلى أسس الحياة المشتركة بين الطوائف الاسلامية خصوصاً، سواء من خلال المشاركة المباشرة لآلاف المقاتلين من الجنوب والضاحية والبقاع وجبيل في المعارك الى جانب النظام السوري، أو من خلال الارتدادات الداخلية والسورية لتلك المعارك، على السلامة العامة للبنانيين في كل المناطق.

هناك آلاف المقاتلين من حزب الله في سوريا، وهناك العشرات ممن يلتحقون عبر الحدود بتنظيم القاعدة وغيره، وهناك موجة غير مسبوقة من الانتحاريين تتسلّل الى مناطق تواجد حزب الله، وهناك قرى في عكار والبقاع تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف

من الداخل السوري، وهناك مواطنون لبنانيون أبرياء يدفعون من أرواحهم وأرزاقهم ثمن التورط في الحرب السورية. والأخطر من كل ذلك، الأبعاد المذهبية المتنامية لانخراط اللبنانيين في هذه الحرب، الاستنزاف الكبير الذي يطال مؤسسة الجيش وسائر القوى الأمنية والعسكرية.

اننا يا دولة الرئيس، لا ننادي بتحييد المواقف السياسية عن الوضع في سوريا، إننا بمثل ما نعطي أنفسنا حق التأييد السياسي والإعلامي للمعارضة، لا نحجب هذا الامر عن مناصري بشار الأسد. ولكننا لن نتوقف عن السعي إلى طريقة لتحييد لبنان عن التورط العسكري في المسألة السورية، وتجنيب اللبنانيين خطر انتقال الحريق السوري إليهم.

ما حصل في الضاحية والهرمل وعكار وطرابلس وعرسال، هو نماذج عن التورط في هذا الحريق. ونحن نفترض أن معاناة الناس ومشاهد السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية التي حصدت عشرات الأبرياء، إضافة الى مئات النعوش التي تعود بجثامين القتلى من ساحات المعارك، وحالات الذعر والقلق التي تطارد المواطنين في كل المناطق، والاصطفاف المذهبي الذي يتعاظم يوماً بعد يوم، والخسائر الكبيرة التي حلّت بالاقتصاد ولقمة العيش، كافية لإعادة النظر في قرارات لم تجلب الى لبنان سوى القتل والدمار.

ومن يقول بغير ذلك يكذب على نفسه وعلى اللبنانيين. هل هذا ما نريده لأولادنا يا دولة الرئيس؟ هل نريد أمهات وآباء يبكون على أولادهم؟ أم يفرحون بشهاداتهم الجامعية؟ هل نريدهم أن يرفعوا أيديهم ليحملوا نعوش أولادهم أم أن يرفعوا رؤوسهم بعلم أولادهم وعملهم وإبداعهم وإنجازاتهم، يرفعون رأسنا جميعا واسم كل لبنان في كل العالم؟

من هنا تبدأ، يا دولة الرئيسْ، خطّة الدفاع عن لبنان وحماية اللبنانيين من خطر التنظيمات الإرهابية. يستحيل مكافحة الإرهاب من خلال تفرد حزب بإعلان الحرب. مواجهة الإرهاب تحتاج، بكل بساطة، الى تكاتف وطني واسع يعيد الاعتبار لإعلان بعبدا، وتحتاج الى جيش قادر على حماية الحدود وإحكام السيطرة على المنافذ والمعابر ذهاباً وإياباً. مواجهة الإرهاب تتطلّب قراراً سريعاً من حزب الله بالخروج من سوريا، والتخلّي عن وهم الحرب الاستباقية والاعتراف بوجود دولة لبنانية هي المسؤولة عن سلامة الحدود والمواطنين. فهل هناك من يسمع، ويتعظ، ويتواضع، ويبادر؟

لن نفقد الرهان على صوت العقل، وعلى الموقف الوطني الشجاع الذي يخرق جدار العناد السياسي. وإذا كان الحوار الوطني يجدي في التوصل الى ذلك، ويساهم في وقف النزف، فنحن لن نتأخر عن المشاركة، وتقديم بارقة أمل الى اللبنانيين بأن بلدنا قادر على انتاج الحلول ودرء الفتنة.

اليوم، وبعد تسع سنوات، تبقى فكرة بسيطة وأساسية، وهي أن رفيق الحريري ومحمد شطح وكل الشهداء، كانوا يستحقون الحياة وليس الموت، الطفل الذي كان ذاهبا إلى مدرسته في حارة حريك كان يستحق الحياة وليس الموت، المؤمن الخارج من المسجد في طرابلس كان يستحق الحياة وليس الموت، والمواطن الخارج من بيته في الهرمل أو صيدا ليؤمن لقمة العيش لعائلته كان يستحق الحياة وليس الموت، والسيدة التي كانت تدرّس أطفالها في عرسال، كانت هي وأولادها يستحقون الحياة وليس الموت.

نعم، السؤال الحقيقي بعد تسع سنوات على اغتيال رفيق الحريري هو ما إذا كان برأينا، لبنان يستحق الحياة وليس الموت...

رفيق الحريري ولد في منتصف القرن العشرين. وأمضى آخر عشرين سنة من القرن العشرين يخطط ويعمل وينجز لإدخال لبنان إلى القرن الحادي والعشرين. واليوم، وبعد تسع سنوات على اغتياله بات اللبنانيون، كل اللبنانيين، رهائن عند جماعات تريد أن تعيد لبنان إلى القرون الوسطى!

نحن، ومعنا كل اللبنانيين واللبنانيات، جوابنا أن لبنان يستحق الحياة. كل أم لبنانية تستحق أن يكون همها أن ينجح ابنها أو بنتها في المدرسة، "مش إذا بيرجعو من المدرسة طيبين". كل أب لبناني يستحق أن يكون همه أن يكبر أولاده ويتخرَّجوا من الجامعة ويجدوا عملا ويأسسوا عائلة، وليس أن يتحوَّلوا إلى عاطلين عن العمل في بلد ليس فيه فرص عمل، أو إلى مشاريع لنعوش عائدة من سوريا أو مشاريع هجرة دائمة. وكل لبناني، صغير كان أو كبير، يستحق دورة حياة طبيعية، الابن يدفن فيه أبيه، وليس العكس، والحفيدة تصلّي فيه على جدتها وليس العكس.

منذ أيام قليلة، قرأت في مقابلة مع الدكتورْ أنطوان مسرّة، عن الترابط بين العدالة والاعتدال. وفي لغتنا فإن الكلمتين تتحدران من العدل. وبهذا المعنى، زمن العدالة، هو زمن الاعتدال. وأهل العدالة هم أهل الاعتدال. ونحن، نحن أهل الاعتدال. نحن أهل الاعتدال الذين وقفنا ونقف بوجه كل تطرف، مهما كان. وكما شهدتم، فإنه بعد كل شيء انطلقت المحاكمة، وانتصر منطق العدالة، وليس لدي أي شك، ولا في أي لحظة أن منطق الاعتدال سينتصر، منطق الدولة والكرامة والحياة. نحن معكم، بهذا المنطق، صامدون، صامدون، صامدون، ومعكم ومع كل اللبنانيين، سننتصر بالعلم، بالعمل، بالدولة، بالعدل، بالعدالة، وبالاعتدال.

عشتم، عاشت العدالة وعاش لبنان.