إيمانيات ووجدانيات للسنة الجديدة

الياس بجاني
01 كانون الثاني/15

"هذه هي وصيتي: أحبوا بعضكم بعضا مثلما أحببتكم. ما من حب أعظم من هذا: أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه. وأنتم أحبائي إذا عملتم بما أوصيكم به". (يوحنا 15/12-14)

مع بداية السنة الجديدة، أنعم علينا يا رب بالوعي والبصر والبصيرة والحكمة حتى لا نتغرب ونبتعد عن فكر وممارسات ونفسية وروحية ذكرى الميلاد المجيدة. ذكرى المحبة والتواضع والعطاء والأخوة والأبوة والغفران.

أغدق علينا يا رب وزنة المعرفة المجردة من الأنانية والطمع لنثمن عالياً هذه الزوادة المقدسة فنحملها معنا بثقة وتفاني طوال أيام السنة، ونتعلق بها ونحافظ عليها مهما تغيرت وتبدلت الظروف، ونسير بهداها متكلين بإيمان وثقة على محبتك وعطفك أنت يا أبينا السماوي.

مع بداية السنة الجديدة نتضرع لك يا رب السموات والأرض ويا أبينا القدير أن تظللنا بمحبتك في كل أيامنا الحلوة والمرة والفرحة والحزينة، والصعبة والمسهلة، وأن ترافقنا برأفتك في كل سقطاتنا والخيبات، وأن لا تحرمنا من نعّم المحبة والتواضع والشفافية والصدق والشهادة للحق والانفتاح على الغير.

نستغفرك ونطلب منك أن تقوي وتعضض إيماننا لترافقنا روحية الميلاد المقدسة فكراً وقولاً ونفسية باستمرار ولنتذكر في كل ثانية أننا ترابيون من التراب جبلتنا، وإلى الترتب سنعود، وبأننا لن نأخذ معنا من مقتنيات هذه الدنيا الفانية أي شيء يوم تسترد منا وديعة الحياة (الروح).

مع بداية السنة الجديدة، ساعدنا يا رب حتى لا يغيب عن بالنا أنك محبة وأننا لن نأخذ معنا يوم نغادر هذه الدنيا الفانية غير زوادة أعمالنا، وفقط هذه الزوادة والتي على أساسها سوف نقف أمامك يوم القيامة والحساب الأخير. انعم علينا بنعمتي الحكمة والعقل لندرك أن كل إنسان على هذه الأرض هم أخ لنا ولنتعامل معه على هذا الأساس كما أوصيتنا.

يا رب نور عقولنا لندرك أن كل ما هو معنا ولنا من مال ونفوذ وسلطة وعائلة ومعرفة هي وزنات مؤتمنين عليها، وأن المطلوب منا أن نستثمرها في ومع كل إنسان بحاجة إليها.

لنصلي حتى لا نصاب بمرض بالغرور، وأن لا نحمل في وجداننا لوثات الحقد والكراهية والانتقام.

لنصلي حتى لا نكون عثرة في حياة وسعادة أي شخص أخر، بل وسيلة محبة وصلح ووئام وسلام.

لنصلي حتى يغسل الله نفوسنا وقلوبنا وضمائرنا من كل أنانية واستكبار وليساعدنا بهدايته لنكون ودعاء كالأطفال.

لنصلي حتى ندرك أن علينا التقيد قولاً وفعلاً بالوصايا العشرة، وبكل ما جاء في "صلاة الأبانا" التي أوصانا الرب أن نصليها.

لنصلي حتى ندرك أن ذكرى الميلاد هي للصلاة والتوبة والغفران ومراجعة الذات وتقديم الكفارات وليست فقط للاحتفالات والملذات والهدايا والمأكل والمشرب.

لنصلي حتى ندرك بعمق أن الله لا يقبل صلواتنا وذبائحنا وتضرعاتنا أن لم نغفر لمن يخطأ إلينا ونتصالح مع كل من يعادينا ونعاديه.

لنصلي حتى لا يغرقنا الغرور في وحل الأنانية، وأن لا يخدر قلوبنا ويميتها تعلقنا بممتلكات الدنيا ومغرياتها.

لنصلي كي نبقى دائما من الشاكرين والممتنين لأبائنا وأمهاتنا فقراء كانوا أم أغنياء، أتقياء أم أشرار، وحتى لا يموت الإحساس في دواخلنا ونعاملهما كما الغرباء والأعداء ونصاب بعاهتي الجحود ونكران الجميل. لنصلي كي ترافقنا روحية ميلاد المخلص طوال أيام السنة. لنصلي حتى لا يغيب عن بالنا ولو لثانية واحدة أننا أولاد الله المحب والمعطاء والغفور الذي افتدانا بابنه الوحيد ليعتقنا من نير عبودية الخطيئة، هذا الأب الذي خلقنا على صورته ومثاله وجعل من أجسادنا هيكلاً له وباقِ معنا في لساننا والضمير.

مع بداية السنة الجديدة، ساعدنا يا رب أن نتذكر باستمرار أن يوم الدينونة الأخير حيث الحساب والعقاب آت وعلينا بالتالي أن نكون دائما على استعداد له بزوادة أعمالنا. وساعدنا أن نأخذ العبر مما جاء في إنجيل القديس متى 25/31-45 تحت عنوان يوم الدينونة: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، ومعه جميع ملائكته يجلس على عرشه المجيد، وتحتشد أمامه جميع الشعوب، فيفرز بعضهم عن بعض، مثلما يفرز الراعي الخراف عن الجداء، فيجعل الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. ويقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا، يا من باركهم أبـي، رثوا الملكوت الذي هيـأه لكم منذ إنشاء العالم، لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبا فآويتموني،  وعريانا فكسوتموني، ومريضا فزرتموني، وسجينا فجئتم إلي. فيجيبه الصالحون: يا رب، متى رأيناك جوعان فأطعمناك؟ أو عطشان فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريبا فآويناك؟ أو عريانا فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضا أو سجينا فزرناك؟ فيجيبهم الملك: الحق أقول لكم: كل مرة عملتم هذا لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتموه! ثم يقول للذين عن شماله: ابتعدوا عني، يا ملاعين، إلى النار الأبدية المهيـأة لإبليس وأعوانه: لأني جعت فما أطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني، وكنت غريبا فما آويتموني، وعريانا فما كسوتموني، ومريضا وسجينا فما زرتموني. فيجيبه هؤلاء: يا رب، متى رأيناك جوعان أو عطشان، غريبا أو عريانا، مريضا أو سجينا، وما أسعفناك؟ فيجيبهم الملك: الحق أقول لكم: كل مرة ما عملتم هذا لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي ما عملتموه.: فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبدي، والصالحون إلى الحياة الأبدية"

يا رب نور عقولنا والضمائر لنعمل بوصيتك ونتصالح معك ومع ذواتنا والآخرين: "وإذا كنت تقدم قربانك إلى المذبح وتذكرت هناك أن لأخيك شيئا عليك، فاترك قربانك عند المذبح هناك، واذهب أولا وصالـح أخاك، ثم تعال وقدم قربانك". (متى 05/23-24)

مع بداية السنة الجديدة أفض علينا يا رب وأغدق من نعمة المحبة ولا تحرمنا منها وأغفر خطايانا وضعفنا والسقطات لأنك أنت محبة ونحن دون محبة نعود إلى العدم

 

الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب الألكتروني

 phoenicia@hotmail.com