هل مساءلة وانتقاد سيدنا البطريرك الراعي أو غيره من رجال الدين خطيئة أم واجب؟

الياس بجاني

29 تشرين الثاني/14

نتعرض أحياناً كثيرة للتهجمات والعداوات واللوم وحتى للمقاطعة من قبل بعض الغيارى في طائفتنا المارونية وخارجها، من رجال دين ومدنيين، ينزعجون ويستفزون ويغضبون في كل مرة نتعرض فيها عبر كتاباتنا وتعليقاتنا الصوتية بالنقد أو المساءلة أو الاعتراض على موقف أو تدبير أو زيارة أو تحالف أو تبني لإفراد أو مجموعات أو خطاب أو مقاربة سياسية لسيدنا غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي. كما أننا نتعرض لنفس ردات الفعل العدائية والمخوِّنة من "الزلم" "والشبيحة" " والداعشيين" في بعض الأحزاب والتيارات عقب أي نقد لحزب ما أو لصاحب ومالك الحزب وللمحظيين من حاشيته الذين في الغالب هم من الأبناء والأحفاد والأصهر!! برحابة صدر وتواضع وانفتاح نتقبل الرأي الآخر عندما يستوفي مقومات الرأي، وليس فيه تخوين وتحريم وتحليل وتهويل واستكبار وفوقية.

بإذن الله سنكمل طريقنا كون مقارباتنا كافة مبنية على قناعات راسخة وليس غايتها الفائدة الذاتية أو الربح المادي وإنما الشهادة للحق وتسمية الأشياء بأسمائها. كما أن نشاطنا الإعلامي يرتكز على خلفية إيمانية صلبة ومعاييرنا هي تعاليم الكتاب المقدس وثوابت صرحنا البطريركي الذي أعطي له مجد لبنان وضميرنا ومحبتنا لناسنا ووطننا وبالطبع القوانين المرعية الشأن والأهم مخافة الله ويوم الحساب الأخير.

بمفهومنا وقناعاتنا إن ما نقوم به منذ العام 1988 وبشكل يومي من نقد ومساءلات لسياسيين ورجال دين ومسؤولين ليس خطيئة أو نقضاً لأعراف أو تطاولات شخصية على أحد، بل واجباً وطنياً ودينياً وأخلاقياً، ونقطة ع السطر.

أما انتقاداتنا لغبطة سيدنا البطريرك الراعي بما يتعلق بمواقفه السياسية والوطنية التي نعارضها 100% ولمساءلتنا له في بعض التدابير الإدارية وليس الكنسية أو الدينية من مثل ما قيل وكتب عن احجوجة قصة وليد غيّاض، فهي أيضاً تندرج من ضمن انشطتنا ومقارباتنا الإعلامية وليس تعدياً أو انتقاماً أو تجريحاً كما يحلو للبعض وصفه.

لإدراك وفهم مقاصدنا النبيلة والإيمانية ولتبسيط ما نحاول قوله لا بد من طرح السؤال التالي: هل خطيئة انتقاد رجل الدين المسيحي في أي موقع كان؟

الجواب بالطبع لا، بل واجباً ملزماً. لفهم هذا الأمر انجيلياً علينا أن ندرك ما هو تعرّيف الكنيسة.
الكنيسية طبقاً لتعاليم الإنجيل المقدس هي ليست مجرد مبنى ومنظومة إدارية هرمية وطقوس، بل هي جسد المسيح ذاته، وكل عضو فيها هو عضو في هذا الجسد له نفس حقوق باقي الأعضاء ومطلوب منه عمل وواجبات يتكاملون ويتناغمون مع عمل وواجبات كل الأعضاء الآخرين وإن كان كل عضو وعمله مختلفاً عن الأعضاء الآخرين. وبالتالي احترام كل عضو مهم جداً علماً أن أي خلل في أي عضو تعاني منه جميع الأعضاء. فكلمة كنيسة تأتي من الكلمة اليونانية "اكلاسيا" وهي تعني الجماعة أو المدعوون.

جاء في رسالة القديس بولس الرسول لأهل رومية: 16/15/: "سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ كَنَائِسِ الْمَسِيحِ".

القديس يشير هنا إلي جماعة المؤمنين الذين هم مجتمعون في منزل وليس مبني الكنيسة.

وفي رسالته إلى أفسس (01/22و23) توضيح جلي لحقيقة كون الكنيسة هي جسد المسيح: "وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ رَأْساً لِلْكَنِيسَةِ الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ وَكَمَالُهُ، هُوَ الَّذِي يُكَمِّلُ الْكُلَّ فِي الكُلِّ."

إذا إن جسد المسيح، أي الكنيسة" هو مُمثل وقائم وعامل في جميع المؤمنين باسمة وتعاليمه الذين يقرون بتأنسه وموته وقيامته وخلاصه لهم. من هنا لا فروقات بين مؤمن ومؤمن بغير التقوى والإيمان وأعمال الخير والشهادة للحق وبالتالي جميع من هم أعضاء في جسد المسيح، المؤمن والراهب والمطران والبطريرك والفقير والغني والقوي والضعيف وغيرهم هم متساوون وإن كانت وزناتهم مختلفة كما أدوارهم والمهمات.

كلما تعمق وترسخ إيماننا ومفهومنا لروحية الإنجيل وتعاليمه، وكلما غصنا أكثر فيه، كلما تعلمنا وفهمنا وتأكدنا أن الكنيسة الكونية الجامعة هي الكنيسة التي تتكون من كل الذين لهم علاقة شخصية مع يسوع المسيح، أي المؤمنين كائن من كانوا وفي أي مكان تواجدوا ومهما كان وضعهم الصحي أو الاجتماعي.

وقد جاء في رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى ﺭنثوس ما يلي وهو يوضح الصورة هذه ولا يترك أي شكاً أو تقويلاً بأن الكنسية هي جسد المسيح وكل المؤمنين أعضاء فيها (من13حتى31):

فَكَمَا أَنَّ الْجَسَدَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنَّ أَعْضَاءَ الْجَسَدِ كُلَّهَا تُشَكِّلُ جِسْماً وَاحِداً مَعَ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْمَسِيحِ أَيْضاً. "فَإِنَّنَا، بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، قَدْ تَعَمَّدْنَا جَمِيعاً لِنَصِيرَ جَسَداً وَاحِداً، سَوَاءٌ كُنَّا يَهُوداً أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً، وَقَدْ سُقِينَا جَمِيعاً الرُّوحَ الْوَاحِدَ. فَلَيْسَ الْجَسَدُ عُضْواً وَاحِداً بَلْ مَجْمُوعَةُ أَعْضَاءَ. فَإِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَداً، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ!» فَهَلْ تُصْبِحُ مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ فِعْلاً؟ وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: «لأَنِّي لَسْتُ عَيْناً، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ!» فَهَلْ تُصْبِحُ مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ فِعْلاً؟ فَلَوْ كَانَ الْجَسَدُ كُلُّهُ عَيْناً، فَكَيْفَ كُنَّا نَسْمَعُ؟ وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ أُذُناً، فَكَيْفَ كُنَّا نَشُمُّ؟ عَلَى أَنَّ اللهَ قَدْ رَتَّبَ كُلاًّ مِنَ الأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ كَمَا أَرَادَ. فَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عُضْواً وَاحِداً، فَكَيْفَ يَتَكَوَّنُ الْجَسَدُ؟ فَالْوَاقِعُ أَنَّ الأَعْضَاءَ كَثِيرَةٌ، وَالْجَسَدُ وَاحِدٌ. وَهَكَذَا، لاَ تَسْتَطِيعُ الْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: «أَنَا لاَ أَحْتَاجُ إِلَيْكِ!» وَلاَ الرَّأْسُ أَنْ تَقُولَ لِلرِّجْلَيْنِ: «أَنَا لاَ أَحْتَاجُ إِلَيْكُمَا!»، بَلْ بِالأَحْرَى جِدّاً، أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَبْدُو أَضْعَفَ الأَعْضَاءِ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ، وَتِلْكَ الَّتِي نَعْتَبِرُهَا أَقَلَّ مَا فِي الْجَسَدِ كَرَامَةً، نَكْسُوهَا بِإِكْرَامٍ أَوْفَرَ. وَالأَعْضَاءُ غَيْرُ اللائِقَةِ يَكُونُ لَهَا لِيَاقَةٌ أَوْفَرُ؛ أَمَّا اللائِقَةُ، فَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. وَلَكِنَّ اللهَ أَحْكَمَ صُنْعَ الْجَسَدِ بِجُمْلَتِهِ، مُعْطِياً كَرَامَةً أَوْفَرَ لِمَا تَنْقُصُهُ الْكَرَامَةُ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ فِي الْجَسَدِ انْقِسَامٌ بَلْ يَكُونَ بَيْنَ الأَعْضَاءِ اهْتِمَامٌ وَاحِدٌ لِمَصْلَحَةِ الْجَسَدِ. فَحِينَ يُصِيبُ الأَلَمُ وَاحِداً مِنَ الأَعْضَاءِ، تَشْعُرُ الأَعْضَاءُ الْبَاقِيَةُ مَعَهُ بِالأَلَمِ. وَحِينَ يَنَالُ وَاحِدٌ مِنَ الأَعْضَاءِ إِكْرَاماً، تَفْرَحُ مَعَهُ الأَعْضَاءُ الْبَاقِيَةُ. فَالْوَاقِعُ أَنَّكُمْ أَنْتُمْ جَمِيعاً جَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ فِيهِ كُلٌّ بِمُفْرَدِهِ. وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ فِي الْكَنِيسَةِ أَشْخَاصاً مَخْصُوصِينَ: أَوَّلاً الرُّسُلَ، ثَانِياً الأَنْبِيَاءَ، ثَالِثاً الْمُعَلِّمِينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاهِبِ الْمُعْجِزِيَّةِ أَوْ مَوَاهِبِ الشِّفَاءِ أَوْ إِعَانَةِ الآخَرِينَ أَوْ تَدْبِيرِ الشُّؤُونِ أَوِ التَّكَلُّمِ بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.فَهَلْ هُمْ جَمِيعاً رُسُلٌ؟ أَجَمِيعُهُمْ أَنْبِيَاءُ؟ أَجَمِيعُهُمْ مُعَلِّمُونَ؟ أَجَمِيعُهُمْ حَائِزُونَ عَلَى مَوَاهِبَ مُعْجِزِيَّةٍ؟ أَجَمِيعُهُمْ يَمْلِكُونَ مَوَاهِبَ الشِّفَاءِ؟ أَجَمِيعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ؟ أَجَمِيعُهُمْ يُتَرْجِمُونَ؟ وَلكِنْ تَشَوَّقُوا إِلَى الْمَوَاهِبِ الْعُظْمَى. وَهَا أَنَا أَرْسُمُ لَكُمْ بَعْدُ طَرِيقاً أَفْضَلَ جِدّاً")

("مِنْ بُولُسَ، وَهُوَ رَسُولٌ لاَ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ وَلاَ بِسُلْطَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ بِسُلْطَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، وَمِنْ جَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعِي، إِلَى الْكَنَائِسِ فِي مُقَاطَعَةِ غَلاَطِيَّةَ). (غلاطية01/02)

ويعلمنا الإنجيل أن كل الذين يؤمنون ويثقون في يسوع المسيح ينالون الخلاص دون تفرقة أو تفضيل أو طبقية.

"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. (يوحنا03/16)

بناء على ورد من واجب كل عضو في الكنسية، أي العضو في جسد المسيح أن يحافظ على باقي الأعضاء ويصونها ويحترمها ويحبها ويغار عليها ويعمل في خدمتها لأن مصير الأعضاء واحد وكل ما يصيب أي عضو يصيب باقي الأعضاء.

من هنا واجب مقدس على كل عضو في الكنيسة المارونية (التي هي موضوع تعليقنا) في أي موقع كان بمن فيهم موقع الرأس الذي هو البطريرك أن يتعامل مع باقي الأعضاء بما تمليه عليه تعاليم الكتاب المقدس من محبة وتفاني وتجرد وجهد ومسامحة وعدل وتواصل واحترام، لا أن يتعالى ويتكبر ويأخذ تدابير وقرارات فيها ظلم للآخرين أو تعدٍ عليهم.

وبالتالي وبناءً على كل ما أوردنا وطبقاً لمعيار كتابنا المقدس وتعاليمه من حقنا، بل من واجبنا المقدس صون جسد (الكنيسة) المسيح الذي نحن أعضاء فيه ورفع الصوت عالياً بوجه أي تصرف لأي عضو آخر أكان الرأس (البطريرك)، أو غيره.

وانجيلياً أيضاً ليس فقط من يرتكب الأعمال الشريرة يقترف الخطيئة، بل أيضاً يقترفها من بإمكانه أن يعمل الخير ولا يعمله، ما معناه أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن لسنا بشياطين.

كما,لا محاباة بين المؤمنين، بل عدل ومساواة، ولأن الإنسان معرض دائماً للوقوع في تجارب إبليس فقد حذرنا الله من أمر وقوع رجال الدين (الكتبة والفريسيين) في التجارب وقال لنا: "اسمعوا كلامهم ولا تفعلوا أفعالهم". كما اوصانا أن نكره حتى الثوب الذي يدنسه من يسبب الشقاق ويتبع أهوائه الشريرة كما جاء في رسالة القديس يهوذا/01/17-22/:"سيجيء في آخر الزمان مستهزئون يتبعون أهواءهم الشريرة. هم الذين يسببون الشقاق، غرائزيون لا روح لهم. أما أنتم أيها الأحباء، فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس، وصلوا في الروح القدس وصونوا أنفسكم في محبة الله منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح من أجل الحياة الأبدية. ترأفوا بالمترددين، وخلصوا غيرهم وأنقذوهم من النار، وارحموا آخرين على خوف، ولكن ابغضوا حتى الثوب الذي دنسه جسدهم”.

في الخلاصة، لا أحد فوق المساءلة كائن من كان، البطريرك الراعي أو غيره ونقطة على السطر.

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي
 عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com