والد وابنه نزفا في طرابلس حتى الموت دون أن ينجدهما أحد

 الياس بجاني/25 تشرين الأول/14

(السبت 25 تشرين الأول 2014/الوكالة الوطنية للأنباء: شيعت الميناء في طرابلس بعد ظهر عبد الناصر المصري ونجله طه اللذين سقطا في اشتباكات الأسواق الداخلية لمدينة طرابلس.)

في خضم معارك طرابلس العبثية اليوم بين الجيش اللبناني والعصابات المسلحة من الأصوليين والمرتزقة والمهووسين وأيتام المخابرات السورية والإيرانية سقط قتيلان من المدنيين هما أب وابنه (عبد الناصر المصري ونجله طه). الضحية الأولى هو مواطن مدني ليس له أية علاقة بالأطراف المتصارعة صادف مروره في ذلك الشارع وقد تُرِّك دون مساعدة مرمياً على الأرض مضرجا بدمه دون أن يتمكن أحد من مساعدته علماً أن إصابته لم تكن مميتة. وعندما حاول ابنه نجدته أصيب هو الآخر وبدوره لم يجد من يسعفه فنزف حتى مات وانتهت حياة هذا الأب الضحية ومعه ابنه إلى جانبه في حين كان بالإمكان تخليصهما لو أن الصليب الأحمر أو الأهالي أو الجيش تمكنوا من نقلهما إلى المستشفى ووقف النزف.

إن مأساة هذا الأب وابنه تجسد عملياً الواقع المر المعاش على الأرض وهو واقع مأساة الشعب اللبناني المستمر في نزفه دون أن يجد من يمد له يد المساعدة ويخرجه من أتون الحروب القاتلة والعبثية التي يشنها عليه دون رحمة أو هوادة مباشرة ومواربة حزب الله، جيش إيران الملالوي والإرهابي الذي يحتل لبنان بالقوة والبلطجة ويستعمل كل أنواع الإجرام والإرتكابات والأعمال البربرية واللاانسانية.

للأسف الدولة اللبنانية مهيمن عليها من قبل قوى الاحتلال الإيرانية التي حلت منذ العام 2005 مكان الاحتلال السوري البعثي الغاشم، وهي دولة مخطوفة ورهينة ومعطلة ومخصية وقد تحولت مؤسساتها كافة إلى هياكل عظيمة لا حياة ولا روح فيها.

إنه وضع شاذ وهو عبارة عن مرض سرطاني فارسي متوحش ينهش في جسم وطن الأرز، في حين أن ضمائر وهمم وفروسية ووطنية القيادات الرسمية والمدنية والدينية في معظمها هي إما ميتة أو مخدرة ومنسلخة عن معانات المواطنين ومغربة عن أوجاعهم.

هذه القيادات ما عدى قلة منها هي إما عاجزة أو مأجورة أو جبانة أو ذمية أو طروادية وتقف في وضعية المتفرج على النزف الذي أصاب جسم الوطن وجسم المواطن دون حراك مستسلمة للأمر الواقع الذي تفرضه قوى الاحتلال الفارسية.

إن حالة اللبنانيين اليوم هي كحالة هذا الأب والابن اللذين نزفا على قارعة الطريق حتى فارقا الحياة دون أن يأتي من يساعدهما ويوقف نزفهما.

طرابلس ثاني أكبر مدن لبنان كانت ولا تزال ضحية بامتياز منذ بدايات حقبة الاحتلال السوري الأسدي للبنان وحروب طواحين الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، وهرطقات وتجار التحرير وجماعات الأصولية والتكفير الذين استعملوا شعب طرابلس ولا يزالون وقوداً لصراعاتهم الإقليمية وأدوات لأطماعهم الشخصية.

شعب طرابلس الفقير بأكثريته يحب الحياة ويؤيد الدولة ويسعى جاهداً لتأمين لقمة عيشه بسلام وطمأنينة، في حين أن غالبية المتمولين والسياسيين وعدد لا يستهان به من رجال الدين من أهل هذه المدينة كانوا ولا يزالون يستعملون ثرواتهم ومواقعهم وتحالفاتهم لتسليح وتجييش فئات محرومة وجاهلة ومتعصبة خدمة لأجنداتهم السياسية والإقليمية وقد تمظهرت هذه الحقائق الطروادية كلها من خلال عشرات جولات القتال المدمرة بين جبل محسن والتبانة حيث تكلفة كل جولة من الأسلحة والذخائر  هي الملايين.

من المحزن أن شعب طرابلس متروك لمصيره دون مساعدة لا من الدولة اللبنانية التي يهيمن عليها حزب الله بالقوة، ولا من معظم أبنائها من السياسيين والرسميين والمتمولين ورجال الدين الغارقين إما في عبادة المال أو في أوحال التبعية أو في بؤر التكفير والتمذهب.

في أطر التعاسة والنفاق نرى أن كل الحلول السياسية والخطط الأمنية التي قيل أنها طبقت في طرابلس ومنها الخطة الأمنية الأخيرة لم تكن جدية ولا هي تعاملت بجدية وثبات مع أسباب التوتر والحروب والتي في مقدمها احتلال حزب الله للبنان وتمويله مع النظام السوري ورعايته وحمايته جماعات إرهابية وأصولية متعددة من المسلحين في طرابلس وغيرها من المدن والبلدات اللبنانية يقفون دائماً وراء كل جولات التقاتل.

وتحت حجة عدم المساس بسلاح ما يسمون هرطقة ودجلاً "مقاوم" لم يُجمع السلاح من طرابلس، ولا من جبل محسن حتى بعد فرار  رفعت علي عيد، بل ترك في مخازن أصحابه دون أن يمس، وهو الذي يستعمل كلما أراد المحتل الفارسي وجزار سوريا الأسد توتير الوضع في لبنان وتوجيه الرسائل النارية إلى من يعنيهم الأمر محلياً واقليمياً ودولياً وجولة القتال اليوم تأتي في هذا الإطار.

في الخلاصة إن علاج أعراض أي مرض فقط والتعامي عن المرض نفسه لا يؤدي إلى أية نتيجة، لا بل يتسبب في تفاقم المرض واستفحاله أكثر وأكثر.
يبقى إن المرض السرطاني الذي يفتك بلبنان وشعبه هو الاحتلال الإيراني عن طريق جيش، حزب الله الملالوي وربع الطرواديين والمرتزقة المحليين، ومشكلة، بل مأساة طرابلس وغيرها من مشاكل لبنان لن تجد أي حل قبل علاج سرطان الاحتلال الفارسي، ونقطة على السطر.

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكترونيphoenicia@hotmail.com