لقد تأخر عنا الطوفان والحريق

الياس بجاني

12 أيار/15

أُولئِكَ الَّذِينَ عَاقِبَتُهُمُ الهَلاك، أُولئِكَ الَّذينَ إِلهُهُم بَطْنُهُم، ومَجْدُهُم في عَارِهِم، وفي أُمُورِ الأَرْضِ هُمُّهُم. (فيلبّي03/19)

 تقول أساطير التاريخ والكتب الدينية إنه إذا عمّ الفساد في مجتمع ما فإن الآلهة تعاقب أفراده إما بالطوفان أو بالحرق والسلي مصطفية من بينهم نخب الأبرار فقط، تماما كما يعلمنا الكتاب المقدس في أسفار نوح ولوط والنبي الياس. وفي الأساطير أعتبر كل من هوميروس وأفلاطون أن سبب دمار وغرق قارة أطلنطا يعود إلى الفساد الذي دبّ في كيان مجتمعها المتطور آنذاك ففتح البحر شدقيه وابتلعها.

ترى لماذا تأخر الطوفان عنا والحريق، وماذا تنتظر الآلهة تاركة إيانا ولبناننا والمصير في أيدي وأشداق طاقم سياسي وديني أفراده بغالبيتهم العظمى أقزام نيام لا أبشع ولا أنجس. سياسيون ورجال دين كبار يسوِّقون للفساد والإفساد ويبشرون بالهزيمة والعبودية وقد أوصلوا مجتمعنا إلى أتون الذمية وأدراك التقية بعد أن سجنوه في غياهب التهميش والنسيان.

نسأل متى ساعة الحساب والعقاب التي لا محالة آتية حيث سيكون البكاء وصريف الأسنان عقاباً على عمى بصر وبصيرة، وعلى جشع ودناءة نفوس، وخور رجاء وقلة الإيمان، وحربائية ونرجيسية، وتهور وحماوة رؤوس. نعم تأخر العقاب على أصحاب وزنات ومواهب ودعوات كهنوتية استعملوها في أعمال الشر وكفروا بمن وهبها لهم.

نعم، لقد أينعب رقاب ورؤوس هؤلاء الشاردين عن طرق الحق بعد أن شرعوا القتل والدمار والإرهاب، وأقاموا للقتلة والإرهابيين والمارقين الاحتفالات وشربوا نخب ظفرهم الإلهي وتنعموا بأموال سرقوها وأراضي اغتصبوها ممنين النفس بكرسي رئاسي مُخلع ومفكك وبمواقع نفوذ لم يبق منها بسبب غباوتهم وقصر النظر سوى المسميات ليس إلا!!

إننا في زمن حكام وسياسيين ورجال دين في غالبيتهم أقزام سخفوا القرار الحر والسيادي، وتخلوا عن الحقوق والهوية، وانقلبوا على الثوابت الوطنية، ونحروا ثوابت صرحنا البطريركي الماروني الذي أعطي له مجد لبنان، وتنازلوا عن الكرامات، ونقضوا الوعود والعهود. في ظل هيمنة هؤلاء الأوباش تتراقص في وطننا وبين ظهراننا وتقهقه عفاريت الانحطاط والصبيانية والإسخريوتية والتخلي والابتذال.

يعلمنا التاريخ أن حضارات ومجتمعات وأمم كثيرة جاء دمارها واندثارها بنتيجة سكوت أفرادها عن فساد وإفساد ممسكي زمام مصيرها وحكامها والرعاة، فهل سيبقى مجتمعنا اللبناني المقيم والمغترب على هذا الحال المحال من الصمت والخنوع بانتظار الطوفان والحريق، أم أنه سوف ينتفض ويثور أولاً على ذاته ومن ثم على جلاديه طالباً الخلاص والانعتاق والرجوع إلى الأخلاق والفضائل؟

على المواطن الحر أن يقدّم مصالحه الإنسانية والأخلاقية وقيمه العليا على مصالحه المادية والبيولوجية والشخصية، فهل نحن في هذا الإطار من الفهم؟

إن إنساننا اللبناني المقهور بلقمة عيشة وحريته والهوية، والساكت على الظلم دون اعتراض، والراضي بالتبعية والولاء لقيادات وأحزاب وسياسيين مغربين عن أمانيه وتطلعاته والأوجاع هو اليوم على مفترق طرق والقرار له وحده. فإما الثورة والانتفاض وتولية قيادات حرة لقيادة دفة السفينة، أو الاستمرار في اللامبالاة والعيش أهوال المحن والفقر والذل والخنوع بصمت لنهش كلاب التسلط والغطرسة والتزلم لعبث عفاريت الفساد والتخلي.

واقعنا التعيس ناتج عن إن غالبية أفراد الطاقمين السياسي والديني ليسوا على قدر المسؤوليات الجسام، ولا هم قادرين ولا حتى راغبين في قيادة دفة السفينة إلى مرافئ الكرامة والهوية.

من هنا فإن المطلوب منا إنتاج قادة وسياسيين ورجال دين جدد وخلق تجمعات سياسية وطنية تكون بوصلتها وغايتنا إعادة النظر في مسالكنا الأخلاقية ومخزوناتنا المعرفية لنتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الدمار الأخير.

ترى هل يعيد التاريخ نفسه ويبتلع البحر المضللين والضالين كما ابتلع غيرهم؟

ترى هل ستنشق السماء وتسقط حممها؟

في الخلاصة، إن لا فقر اشد من عاهة الجهل، ولا عدو أشرس من نزعات الهيمنة والتسلط، ومن له أذنان للسمع فليسمع

 

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com