زمن مِّحل الموارنة مع الراعي وعون

الياس بجاني

10 آذار/15

كانت تاريخياً الكنيسة المارونية وطوال ما يزيد عن 1500 سنة حصناً وعريناً وقلعة للحريات، وللحق والشهادة له، وللعطاء والفداء والتضحيات، كما كانت نبراساً للتواضع والخدمة العامة والتفاني في حمل كل قضية محقة تهدف إلى صون سيادة واستقلال وحرية لبنان وترسيخ قاعدة تعايش شرائحه وصون كراماتهم ولقمة عيشهم والسلم العام.

من هنا قال كل الشعب اللبناني وعن قناعة وبكل تلاوينه المذهبية والمجتمعية إن بطريرك الموارنة هو ضمير لبنان واللبنانيين كافة، ولهذا يقال كنسياً وعن إيمان راسخ أن مجد لبنان أعطى للصرح البطريركي الماروني.

كل هذا الكم من النّعم والبركات والعطاءات والطوباوية كان واقعاً معاشاً ومباركاً رغم كل الصعاب والشدائد والتعديات حتى آخر يوم من حبرية سيدنا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، أطال الله بعمره، إلا أن الأمور انقلبت رأساً على عقب مع انتخاب المطران بشارة الراعي خلفاً له، ومن يومها بدأت معاناة الكنيسة المارونية على أيدي القيمين عليها من عدد لا بأس به من الأحبار في الحقلين السياسي والإداري.

بداية تم ضرب ثوابت الطرح التاريخية عرض الحائط ودون مخافة من الله بإعلان المطران سمير مظلوم أن لا ثوابت للصرح، بل كما ادعى باطلاً هي أمور يقررها البطريرك، ودور هذا المطران المسيس حتى العظم في الإعلام والتحالفات والمواقف بات يحكي زمن المحل الذي حل بصرحنا الكبير المنحرف حالياً عن دوره الوطني والإيماني.

هذا ومارس البطريرك الراعي ومعه وتحت مظلته من اختارهم لفريق عمله من الأحبار والسياسيين والإعلاميين والمستشارين ورجال الأعمال، مارس في السياسية والتحالفات والخطاب والجولات والرحالات والإدارة والتسوّيق لمحور الشر السوري-الإيراني كل ما هو مخالف لتاريخ ورسالة الصرح ولجوهر الكيان اللبناني حتى فقد هو والصرح دورهما وباتا مهمشين على الصعيدين الكنسي والوطني.

وفي هذا السياق الإنحرافي واللاإيماني لا يكاد يمر يوم دون فضيحة مدوية أكان في الشؤون السياسية أو الإدارية الموثقة، وهي بالعشرات، وذلك دون أن يتم التعاطي مع أي منها بروحية مسيحية إيمانية وعملاً بالقوانين والأعراف، حتى بات كل من يوجه سؤالاً محقاً لسيدنا الراعي عن أي أمر، أو ينتقده في أي موقف سياسي أو إداري أو تحالفي، هو متآمر على الكنيسة ومأجور وممول من جهات تسعى للنيل من سمعته الشخصية، وذلك في أطر ثقافة المؤامرة البالية والمدمرة، ولنا خير مثالين في هذا المضمار في كيفية تعاطيه الفوقية واللاانجيلية وتقاعس مجلس أحباره مع فضيحة قصر وليد غياض الكارثية، ومع  انحرافات وهرطقات وخطاب المطران ايلي نصار اللاكنسي.

أما في القاطع السياسي فنرى ميشال عون وهو يتقمص باسخريوتية فاقعة دور المسيح الدجال ويدمر دون أن يرمش له جفن كل ما هو تاريخ ودور وكيان وثوابت واحترام للموارنة، ويضرب على خلفية نرسيسيته مفهوم الكيان اللبناني ويسوّق لثقافة ابليسية وذمية.

من هنا فإننا نحن الموارنة ودون مواربة أو خجل نقول صراحة وعلناً إننا نعيش زمن المّحل بكل مكوناته على المستويين الكنسي والسياسي وأيضاً المجتمعي. نعم هذا هو واقعنا الحالي وعلينا أولاً للخروج منه أن نعترف به ونرفع الصوت عالياً معلنين رفضه مهما كانت الأثمان والتضحيات لأن من يسكت على علته تقتله ونحن بتنا في وضعية انحدارية لا بد لنا من مقاومتها والعمل على دحرها والخروج منها.

في أسفل تقرير نشره موقع "جنوبية" اليوم وهو يحكي عن فضائح جديد تطاول أحبارنا وهذه المرة في منطقة البترون.

الملفت هنا أن موقع "جنوبية" هو موقع علماني والقيمين عليه ليسوا موارنة، ولكن ورغم ذلك لديهم الجرأة والوطنية والحس الأخلاقي والقيمي للشهادة للحق والتضوية على فضائح كنسية وغير كنسية.

أما صحف ومواقع واعلام الموارنة احزاباً وسياسيين وتجار فهي لم تتطرق لهذه الفضيحة ولا لغيرها من ممارسات الراعي واحباره، وذلك على خلفية الجبن والذمية والتقية والحسابات الرئاسية والشعبوية الضيقة والأنانية، وهي كلها من ظواهر وأعراض حالة المّحل القاتلة التي ضربتنا نحن الموارنة.

 

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب الالكتروني

phoenicia@hotmail.com