قبور عنجر وعدل السماء

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

لن تمر جريمة مقابر وابار عنجر الجديدة مرور الكرام، ولا الأحرار من أهلنا والأشراف سيرضون بمنطق "عفا الله عما مضى". إن عدل السماء سيلعن كل مسؤول، رسمي، سياسي لبناني لا ينتفض ويشهد للحق وأصحابه وهو يشاهد بلوعة وأسى غاضبين عظام مواطنيه والعسكر الباسل تنقل في أكياس من المقابر الجماعية إلى مختبرات بيروت لمعرفة هويات أصحابها.

 

ولأن لا خفي إلا وسيعلم مهما طال الزمن، فقد تم العثور على العشرات من الرفات المطمورة في ابار وقبور تقع في بلدة عنجر الحدودية حيث كان مقر قيادة وقادة الجيش البعثي حتى يوم رحيله من لبنان. إن العثور على الرفات هذه يسلط مجدداً الأضواء على همجية قوى الاحتلال الشقيقة ووحشيتها البربرية ويعري حيوانية ضمائر ونتانة عقول قادتها والمسؤولين، كما يبين للعالم أجمع أن هذا القوم المدعي بالأخوة والمقاومة زوراً وعدواناً لم يُجِدْ ويتقن في يوم من الأيام سوى فنون الإجرام والقتل والشيطانية المرعبة. لا لم يحترم المحتل هذا إي قيم أخلاقية وحضارية وكأنه براء من كل ما هو إنساني وحقوق مشروعة.

 

واللبنانيون اليوم موجوعون ومفجوعون بسبب مشاهد رفع رفات أولادهم والأحباء من المدافن والابار، لِذا نجدد مطالبتنا بإنشاء لجنة تحقيق دولية تناط بها مهمة تحديد هوية الضحايا المطمورين في هذه المقابر ومعرفة من ارتكب جرائم تصفيتهم ودفنهم. نعم إن القضية إنسانية بحت وهي تمس بكرامة الإنسان وعزة وإباء وكبرياء اللبنانيين النبلاء وتنتهك حقوق شرائحهم كافة.

 

إنها خطيئة مميتة مؤبَّدة أن يتم إخفاء معالم جريمة عنجر، كما أنه لا يجب أن يُسمح تحت أي ظرف لأولئك الذين اقترفوها الإفلات من العقاب العادل. الكل معني بالجريمة لأنها تطاول الجميع دون استثناء خصوصاً وأن المسؤولية الجنائية والجرمية هي مضاعفة لمن يسكت عن الشهادة للحق وعن المجرم نفسه.

 

أما الذنب الأعظم، فهو ذنب كل مؤذٍ أصاب أي فرد من أهلنا المقاومين والمؤمنين طوال سني الاحتلال "الأخوي" في الثلاثين العجاف. إن الفعل الآثم منوط بأعناق قبابيط الداخل من ملجميين وطراوديين، سياسيين، قادة ومسؤولين، وهم جميعهم ركعوا وخنعوا للغازي صاغرين مطأطئين له الرؤوس.

 

لقد عفروا الجباه، وارتضوا المذلة وأدوار قرع الطبول ودق الصنوج، ملتحفين عباءات الغرباء والمارقين مفاخرين بها متباهين. نصبوا التماثيل للقتلة والجزارين، وسوقوا بوقاحة لهرطقات شعب واحد في بلدين. طبلوا لخدعة المسار والمصير وللحروب العبثية، وتاجروا بوقاحة وكفر بدماء وأرواح الناس والمصائر، وبالقوميات والمذهبية.

إنَّا ونحن نطالب بإحقاق الحق ومعاقبة القتلة كائنين من كانوا، حكام وسياسيين ومسوؤلين سوريين ولبنانيين وغيرهم، نعرب عن افتخارنا واعتزازنا الكبيرين بعطاءات وتضحيات كل لبناني حمل صليب وطن الأرز بإيمان وعزيمة ورجاء ومشى جلجلته رافضاً العار والهوان.

 

اليوم ورفات العشرات من أهلنا والعسكر تنهض من تحت التراب نطالب المسؤولين في وطننا الأم الإنصاف ونحث السياسيين والأحزاب ورجال الدين الاهتمام الجدي والفوري بملف المعتقلين اعتباطاً في السجون السورية وتجنيب هؤلاء الشهداء الأحياء مصير الأرفتة المكتشفة في ابار عنجر ومقابرها.

 

إن الجريمة بالتأكيد بشعة وقد اهتزت لها الضمائر، أما الأبشع فسيكون سكوت لبنان الرسمي والمرجعيات والاحزاب وعدم فتح تحقيق شامل جدي وفوري على أعلى المستويات، أولاً في ملف الرفات المكتشفة، وثانياً في كل ما يخص قضية المعتقلين اعتباطاً حتى اليوم في دهاليز السجون السورية وزنزاناتها حيث يذوقون وعلى مدار الساعة الذل ويعانون من الأمراض والحرمان ويجرَّدون من أدنى الحقوق التي للأسرى في حبوس الدول المتحضرة.

 

لم يبقَ من حل بالواقع سوى طلب الحكومة اللبنانية وفوراً من مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة دولية للبحث في كل الفظائع والانتهاكات المشينة والفاضحة التي ارتكبتها المخابرات السورية وعملائها المحليين من حكام وأحزاب ومأجورين بحق المواطنين اللبنانيين بدءً بعمليات الخطف والإخفاء القسري وانتهاءً بالاغتيالات والإعدامات دون محاكمات ودفن الضحايا في قبور جماعية.

 

نسأل الباري جُل جلاله الرحمة لأرواح شبابنا والجنود الذين قدموا أنفسهم قرابين على مذبح الشهامة في وطن الأرز لنعيش مرفوعي الرأس في ظل الكرامة المصانة.

 

إن العظام التي أخرجت من قبور وابار عنجر ووضعت في الأكياس، ستلعن الآن وفي يوم القيامة وتدين كل من تعدى على أهلنا ولبناننا وتوهَّم بعقله الممروض أن بإمكانه اقتلاع جذورنا وتدمير هويتنا وخنق أصواتنا في حناجرها.

 

لا وألف لا لكل معتد وظالم فنحن خلقنا أحراراً ونعيش أحراراً وأحراراً نموت.          

           

6/12/2005