العلم وأرزته والآن شعار البشير!!

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

عنيد هو اللبناني حامل شعار الـ 10452 كيلم2 في الوطن كما في بلاد الانتشار. منفتح هو يقبل الآخر دون عُقَّد، ومتسامح إلى أقصى الحدود. حضاري وسلمي في مقاومته الغاندية، واعٍ، متعقل، وثابت على المواقف تجاه الوطن. متمسك بهويته، تظلله أفياء الأرز وعلمه المزين بها، ملتزم عن قناعة بشرعة حقوق الإنسان، ذاكرته حية محفور في سجلها المؤلم من الأمور والصُوَر ومسببيها كما المفرح والمشرِّف على الجانبين.

 

ليس اللبناني السيادي من السذاجة بمكان، ليأخذ على محمل الجد "تذاكي" سماحة الشيخ حسن نصر الله بتبنيه شعار البشير  الـ 10452 كلم2 ومصادرته له بعد ربطه بمزارع شبعا والقرى السبعة، وهو الذي كان في تظاهرة ساحة رياض الصلح المفخخة صادر العالم اللبناني رافضاً من وراء متراسه رحيل المحتل السوري مهدداً متوعداً.

 

فبين مصادرة سماحته العلم وأرزته وتبنيه شعار البشير بعد تلغيمه بالقرى السبعة طحنت محدلته بالشراكة مع الأستاذ بري إرادة مجتمعات الجنوب وأوصلت إلى ساحة النجمة 23 راكباً من النواب لم يكن للعديد من أفراد تلك المجتمعات أي قول في اختيارهم وقد سلكوا طريق حُدِلت ببحص "ودبش" وزفت الفرض والاستكبار وإلغاء الآخر. وليُستكمل المشهد ها هو الشيخ محمد يزبك يُصدر تكليفاً شرعياً لأبناء ملته في الجبل والبقاع يلزمهم الاقتراع للمرشحين الذين يؤيدهم حزب الله، فيا عمري أليس التكليف هذا في أمر انتخابي ظاهرة لم يألفها اللبناني من قبل، وممارسة مذهبية تتناقض مع مبدأ التعايش؟ وألا تعني مصادرة لحرية الاختيار والتكفير لمن يعصى؟

 

لا لن تنطلي عمليات الالتفاف التكتيكي المرحلي على أهلنا، وهم لن يقعوا في فخاخ تُنصب لهم بهدف تشويه شعاراتهم والثوابت أولاً باغتصابها واحتوائها ومن ثم تفريغها من محتواها ودفنها. إن من يرفع العلم اللبناني ويلتحف به في تظاهرة رياض الصلح لا يجب أن يتخذ شعاراً غيره لتنظيمه وأن لا يوزع الأكفان على مناصريه في تظاهرة سابقة لم يكن فيها للعلم اللبناني أي وجود.

 

إن متبني شعار البشير اليوم هو نفسه القائل: "إن أُجبرت سوريا على سحب جيشها من لبنان، فنحن جيشها". كما أن من يتبنى شعار الـ 10452 كلم2 يُفترض أنه يؤمن بكينونة لبنان وبقوميته وبحدوده المعترف بها دولياً وبهويته المتجذرة وبالتعايش أهم بنود دستور الوطن. هذا البند الذي يتعارض كلياً مع سعي حزب الله إقامة دولة "الفقيه" في لبنان.

 

إن "فخ" إلحاق القرى السبعة بشعار البشير هو بهدف تفريغه من محتواه كون القرى تلك ليست من ضمن حدود لبنان المعترف بها دولياً ولا مساحتها محسوبة ضمن الـ 10452 كلم 2، وإن كانت تاريخياً لبنانية، تماماً كوضع لواء الإسكندرون التركي حالياً والسوري تاريخياً في حين أن الأمثلة الحدودية المشابهة في دول الشرق الأوسط أكثر من أن تحصى.

 

يشار هنا إلى أن كلام السيد عن القرى السبعة جاء بعد يومين على تصريح لمسؤول كبير في حزب الله قال فيه إن الحزب لن يتخلى عن سلاحه حتى ولو انسحبت إسرائيل من مزارع شبعا، وطبقاُ لكلام السيد ما قبل انتخابات الجنوب بأيام فإن كل يد تمتد إلى سلاح حزبه المقاوم هي يد إسرائيلية ويجب أن تقطع.

 

إن مقولة "وطن يحمي مقاومة" الذي رفعه السيد مع تبنيه شعار البشير، هو تنظير وهمي وتسويق لاستمرارية وضع غير مسبوق في التاريخ يفرضه حزب الله على لبنان واللبنانيين. فلا منطق عدم التخلي عن السلاح بحجة احتلال إسرائيل لمزارع شبعا صحيح، ولا استعمال صفة "إجماع لبناني" على سلاح الحزب وتحريره الجنوب تنطبق على الواقع، ولا هرطقة عدم نشر الجيش على الحدود حتى لا يكون حارساً لإسرائيل، ولا سذاجة الإدعاء أن المقاومة تفرض توازن الرعب لهما أي صحة من المنطق والحقيقة.

 

ما يجب أن يعيه الكل في لبنان أن لا قيامة لدولة حرة سيدة مستقلة بوجود مجموعات مسلحة لبنانية وغير لبنانية تقتطع لها من الوطن محميات. إن قيام لبنان من كبوة الاحتلال والتبعية والفوضى يستوجب نزع سلاح كل المليشيات؛ حزب الله والفلسطينيين وغيرهم، وحصره فقط بقوى الدولة الشرعية.

 

وفي ضوء المواقف الانتخابية المدعية والداعية حماية المقاومة وتحديداً تلك التي انطلقت من عين الرمانة، قلعة الصمود والمقاومة (الحقيقية)، نقول بمحبة إن من يريد صادقاً حماية المقاومة عليه حماية الدولة ومساندة قواها المسلحة الشرعية والإلتزام بالقوانين، وما عدى ذلك انتهاك للدستور ونقض لمبدأ التعايش وتهديم لأسس الكيان وحرية ومستقبل مجتمعاته وتخلي عن دم الشهداء الكرامات.

 

الصادق في حماية حزب الله والغيور على الشريحة الكبيرة والفاعلة التي تحتضنه هو ليس المتزلف والحربائي الذي يقول في العلن شيء ويعمل في الخفاء نقيضه كبعض السياسيين الوصوليين الطامعين في أصوات أنصار الحزب هنا وهناك. الصادق في حماية الحزب هو من ينصحه بالانخراط في الحياة السياسية والديمقراطية وتسليم سلاحه طوعاً للدولة والتخلي عن تطلعاته غير اللبنانية.

 

يبقى أن القرار الدولي 1559 أقر ليُنفذ، وكما أجبرت سوريا على الانسحاب بعد أن رفضت الانصياع والانسحاب طوعاً، هكذا سيكون مصير باقي بنود القرار وما كُتب قد كُتب. وكما تخلى جماعة سوريا عندنا عنها وانقلبوا ضدها بمجرد أن فقدت هيمنتها على لبنان، هكذا ستكون مواقف المتزلفين حماية سلاح حزب الله يوم تتغير الظروف.

 

الرئيس عون كان الوحيد من مقاومي احتلال سوريا للبنان الذي أوفد مندوباً عنه إلى دمشق ناصحاً قيادتها الانسحاب بشرف وترتيب أمره وآليته مع اللبنانيين مؤكداً لهم مفاعيل القرار 1559 وحتمية تنفيذه، فلم يؤخذ بنصيحته وحدث ما حدث. اليوم الرئيس عون يكرر نفس سيناريو الصدق والشفافية والنصح مع قيادة حزب الله، فهل يتعظ الحزب مما حل بسورياً أم أنه سيكرر خطيئتها؟ من القلب نتمنى أن يتم تحكيم العقل واتباع المنطق ضناً بلبنان وكل اللبنانيين.

 

12 حزيران 2005