وقاحة ومعايير مقلوبة!!

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

إدعت الدكتورة ديالا حاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية أن سبعة وثلاثين عاملا سوريًا قتلوا في لبنان ونحو 150 عاملا تعرضوا لأذى جسدي تسببت في إعاقات دائمة، و130 آخرين تعرضوا لأذى نفسي وجسدي في الإحداث التي أعقبت اغتيال الحريري وانسحاب القوات السورية وطالبت السلطات اللبنانية بالتعويض للعمال ولأسر الضحايا وبالملاحقة القضائية لمرتكبي تلك الجرائم وحماية من تبقى من العمال السوريين، مؤكدة أن هذه الإجراءات لا تندرج ضمن أي إطار سياسي.

 

تزامن كلام الوزيرة هذا مع تصريح لرئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري حذر فيه من إن تجريد حزب الله من سلاحه سيحول لبنان مسرحا للاستخبارات الإسرائيلية مما يهدد الأمن القومي السوري.

 

الوزيرة عارف ورئيسها لم يشذَّا عن قاعدتي تعهير المعايير والاستهزاء بعقول وذكاء الناس اللذين اعتمدهما حكام بعث الشام منذ ثلاثين سنة لم يتركوا خلالها وسيلة قهر وظلم وخطف وحرائق وتدمير وتعد وانتهاك للحقوق إلا وارتكبوها عن سابق تصور وتصميم لا يردعهم رادع غير آبهين بأي شرعة غير شريعة الغاب.

سجنوا واضطهدوا ونكلوا، قتلوا وهجروا مئات الآلاف من بني قومهم وقومنا دون أن يرمش لهم جفن، تاجروا بالقضايا الوطنية الكبيرة منها والصغيرة ولم يوفروا الكرامات. انتهكوا حرمات الناس داخل سوريا نفسها وفي دول الجوار كافة، الأردن وفلسطين ولبنان والعراق. موَّلوا واحتضنوا وصدروا الإرهاب والأصولية. احتلوا لبنان طوال 28 سنة لم يتركوا خلالها وسيلة إجرام وتعدٍ سافل منحط وقذارة إلا وارتكبوها بحق شعبه وضمائرهم مخدرة. دمروا مدننا والمؤسسات، نهبوا خيراتنا وكل ما طالته أيديهم المجرمة، هجروا أهلنا، بوروا حقولنا، واقفلوا مصانعنا، سجنوا وعذبوا وقتلوا أحرارنا، اغتالوا الخيرين من قادتنا ورعاتنا، وعبثوا بوطننا ونشروا فيه الفساد والخراب.

 

الآلاف من أهلنا خطفوا إلى سوريا وقتلوا بعد تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب الوحشي، فيما آلاف آخرين لا يزالون قابعين في السجون والمعتقلات السورية منذ سنين دون الاعتراف حتى بوجودهم وجميعُهم محرومون من كافة حقوقهم والكرامات.

 

الآن وبعد أن هب العالم بأسره لنجدتنا وأجبر المحتل البعثي الغاصب على سحب جيشه ورفع نير الاحتلال والعبودية عن وطننا الأم طبقاً للقرار الدولي 1559  وتطبيقا له، ها هم حكام سوريا وبكل وقاحة وغباء يقفلون حدودهم بوجه حركة الترانزيت اللبنانية عبر أراضيهم على خلفية من حقد دفين وهمجية بربرية وانتقام شيطاني متخفين وراء حجج أمنية لا تنطلي حتى على الأطفال. لقد قلبوا المعايير وعهروها وجرموا الضحية وكأنهم فعلاً يهتمون بناسهم من العمال المساكين الذين يجدون في لبنان لقمة عيش كريمة حرموهم هم منها في وطنهم.

 

الوزيرة تطالب بتعويضات لضحايا الثورة الشعبية اللبنانية الأخيرة متناسية أن الحُكم السوري يتحمل كامل المسؤولية لكل ما تعرض له العمال السوريين من اعتداءات في لبنان، وهي تغفل حقيقة استنكار كل الشرائح اللبنانية وقادتها لتلك الانتهاكات السافرة ولبنان بكل تأكيد سيفي بالتزاماته كاملة في هذا المجال في حال فعلت سوريا الشيء عينه.

 

نطالب الوزيرة أن تفيدنا عن الآلية السورية التي ستسلكها دمشق للاعتراف العلني والقانوني بكل الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها القوات السورية ومخابراتها وإفرازاتها المحلية والعربية والأصولية في لبنان طوال 28 سنة، وعن كيفية التعويض المادي والمعنوي والقانوني على المتضررين، وهل بمقدورها إفادتنا عن مصير المئات من أهلنا الذين لا يزالون معتقلين اعتباطاً في سجون دولتها الجارة الجائرة؟

 

أما هرطقة العطري وقوله إن تجريد حزب الله من سلاحه سيعرض أمن سوريا للخطر ويشرع لبنان للموساد الإسرائيلي فهو السخف بعينه والكفر بكامل أدواته الشيطانية، والوقاحة بأبشع صورها، وإن دل على شيء فعلى كذب وتحايل دمشق التي طالما تبجح حكامها بتأهيلهم لقوى الجيش والأمن اللبنانيين فيما بالواقع كانوا يسلحون الميليشيات الأصولية اللبنانية والفلسطينية ويفككون كل ما هو لبناني مؤسساتي من جيش وقوى أمن وغيرهما ويقومون بتدمير منهجي ومبرمج لكل البني اللبنانية التحتية والفوقية.

 

وطالما سوريا البعث تتصدى لإسرائيل حسبما يتبجح حكامها لماذا لم يتحرر الجولان إلى الآن؟ فليأخذ السيد العطري حزب الله إلى سوريا ويسلمه جبهة الجولان لأنه وطبقاً لمنطقه المريض فإن الموساد يسرح ويمرح الآن في سوريا وباقي دول المنطقة بغياب حزب الله وسلاحه عنها.

 

لا يمكن وصف العقل البعثي السوري إلا بالغباء فهو عقل متحجر متقوقع منسلخ عن الواقع والمتغيرات التي استجدت في العالم عموماً والشرق الأوسط تحديداً، وهو حكم سيستمر في إتباع منهج التدمير الذاتي والوقاحة غير الموصوفة وتعهير المعاير كافة حتى ينهار ويريح الشعب السوري ودول الجوار من بلاياه وخطاياه، وهذه النهاية لم تعد ببعيدة.

 

"صحيح اللي استحوا ماتوا" والأصح "يا ما لستي عند جدي"... فقليلاً من الحياء يا حكام الشام وكفاكم تجنياً وظلماً وتبجحاً.

 

27/7/2005